ضرب المراقد وخناجر الغدر

TT

بعد تفجير مراقد سامراء في فبراير (شباط) 2006، شرعت فرق الموت المنظمة، ولا أقول الغوغاء، لأن عملا كالذي حصل وامتد لنحو سنتين لم يكن نتيجة أعمال فردية غوغائية، في حملة تطهير طائفي ستبقى لطخة عار في التاريخ البشري. وقد وجهت جماعات عربية سنية الاتهام إلى وزارة الداخلية بالوقوف وراء تفجير المراقد، وهو اتهام لا يستند إلى أي أساس مادي أو معنوي، فكل المعطيات تشير إلى أن مجموعة من تنظيم القاعدة هي التي قامت بهذا الفعل الشنيع. لكن جزءا من «القاعدة» له صلات قوية بفيلق القدس، وبالتالي فإن قوى الإرهاب الإيراني تقف وراء الفعل، وهذا لا ينفي مسؤولية النهج المركزي الإجرامي القاعدي في إدارة الصراع.

وبعد تفجير مراقد سامراء تعرضت المدينة لأسوأ العقوبات الاقتصادية، وفق نهج يدل على تخطيط مركزي لترحيل أهل قلب المدينة، لتغيير هويتها طبقا لمخطط بعيد الأمد، عملنا بما هو ممكن سياسيا وإعلاميا لإحباطه.

وإذا سلّمنا بأن من فجرها هم عناصر من تنظيم القاعدة، فما صلة العرب السنة بهؤلاء؟ ألم يكن العرب السنة أكثر من عانى من جرائمهم البشعة؟ وقد جرى التركيز في رد الفعل المنظم على مدينة بغداد، مما عكس خطورة الأهداف المحددة للقتل على الهوية، حيث كانت النية إفراغ بغداد من الشريحة المستهدفة. لكن، وعلى الرغم من حجم التهجير البربري فقد خابت ظنونهم، طبقا لما أظهرته نتائج الانتخابات. وفي أحدث لقاء للسيد مقتدى الصدر أشار إلى أن أطرافا منشقة عنه وخارجة عليه هي التي قامت بعمليات قتل السنة بعد تفجير المراقد. وهذا يدل على أن عمليات القتل لم تكن نمطا من أنماط عمليات الغوغاء، بل كانت منهجا منظما لفرق الموت الموجهة في المحصلة النهائية من قبل فيلق القدس الإيراني.

في تلك الفترة المريرة، وخلال لقاء موسع مع ألف جنرال سابق، فتح الرئيس للطيارين - وهم الأكثر استهدافا من الآخرين - أبواب كردستان، وعرض استضافتهم بحسن نية لا غبار عليها، وطلب مني برمجة ذلك، وأقر بأني لم أتفاعل مع العرض خشية إفراغ بغداد من أهلها، وينبغي التزام القوات الأميركية والعراقية بالدفاع عن المستهدفين. فهل يتكرر سيناريو استهداف الطيارين مرة أخرى، سواء بالاغتيالات من قبل فرق الإجرام أو بحملة اعتقالات على افتراض قيامهم بتدريب الإرهابيين نظريا؟ فيما يفرض المنطق الاهتمام بهذه الشريحة من العسكريين ورعايتهم وإعطاءهم دورا في بناء القوة الجوية الحالية.

واليوم تعود مؤامرات ضرب المراقد من جديد، فالمعلومات التي وصلت إلى الحكومة من الأميركيين تشير إلى وجود مخطط لتنظيم القاعدة لضرب مراقد النجف وكربلاء والكاظمية، على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). والمؤشرات تدل فعلا على توافر مثل هذه المعلومات. لكني أرجح أن تكون قد طُوّرت طبقا لأسلوب محاكاة نظرية الاحتمالات. ولا يمكن استبعاد أو حتى إهمال مثل هذه المعلومات أو الافتراضات المبنية على المحاكاة الاستخبارية. فسياق الأحداث يشير إلى أن تنظيم القاعدة سيقوم بهذا الفعل الإجرامي إذا ما توافرت له عناصر النجاح، الآن أو بعد عشرة أعوام. مما يتطلب التحسب بدقة متواصلة والتصرف بعقلية وطنية لا طائفية شاذة منغلقة. والحقيقة التي لا لبس فيها أن أجهزة الأمن العراقية ليست مترابطة الانتماء والأداء، ولم تبن على أساس هيكل موحد تفرض عليه سيطرة مركزية من مقر أعلى يتمتع باختصاص خاص نزيه. وتنطبق الحال على وضعية المطارات، وغياب وحدة القيادة يُحدث ثغرات خطيرة في فلسفة الأمن.

هناك نقطة خطيرة ينبغي الوقوف عندها، وهي أنه كلما حصلت هجمات تستهدف المدنيين الأبرياء من الشيعة تطلق تصريحات وتحليلات ومواقف تحدد غاية الإرهابيين بتجديد الحرب الطائفية! وتأسيسا على هذه النقطة الخطيرة يطرح تساؤلان مهمان، هما: ما علاقة العرب السنة بالتفجيرات؟ والثاني: هل يعني ذلك قيام جهة إجرامية بعمليات دموية تستهدف الوجود العربي السني، ومن هي هذه الجهة؟

إن مثيري الحرب الطائفية ليسوا الذين يشنون الهجمات إشباعا لدمويتهم أو لإثارة الآخرين، لأن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم وفكرهم، بل إن مثيري الحرب الطائفية هم من يقومون برد فعل إجرامي على شريحة أخرى محملين إياها وزر أفعال إرهابية لا علاقة لها بها. ويستخلص مما ورد أن فرق الموت المرتبطة قياداتها بإيران هي التي أشعلت الحرب الطائفية، وهي التي تتحمل مسؤولية تجددها، ويعتبر شريكا مباشرا كل من قدم أو يقدم لها التسهيلات أو يغض النظر عن جرائمها من قبل السلطة. فمثل هذه التنظيمات ليست تنظيمات مقاومة تدعي شرعية التصرف والوجود لتلقى تسهيلات أو صفحا من قبل مؤسسات الدولة كما ظهر من تصرفات مسؤولين في بغداد.