أهمية العلاقات الأميركية ـ الروسية

TT

وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف أمام عدسات المصورين في براغ، الخميس، قبيل توقيعهما على معاهدة تقضي بالتخلص من 30% من الأسلحة النووية الاستراتيجية النشطة لدى الجانبين. ولدى الأميركيين الذين تتجاوز أعمارهم الأربعين كل العذر في الشعور بأن هذا المشهد سبق وأن رأوه من قبل. في الواقع، لقد عاينوا مثل هذا المشهد في كل عقد مر عليهم منذ سبعينات القرن الماضي. إلا أن الكثير من طلاب الجامعات ستبدو عليهم الحيرة حيال ما يبدو مفارقة تاريخية، مثلما اتضح في سؤال أحد الأشخاص لي: «ألا تعد الأسلحة النووية واحدة من القضايا المميزة لحقبة الحرب الباردة؟»

اليوم نجد أنه بطبيعة الحال ولد الشباب الأميركي البالغ الثامنة عشرة من العمر بعد اختفاء الاتحاد السوفياتي.

ومن المتوقع أن تعمد إدارة أوباما إلى الإشادة بمعاهدة «ستارت» الجديدة باعتبارها مهمة نحو تنفيذ رؤية الرئيسين الأميركي والروسي لعالم خال من الأسلحة النووية. وكما هو متوقع أيضا، سيرد النقاد على ذلك بالإشارة إلى أن المعاهدة تستلزم حدا أدنى من التعديلات في السياسة الأميركية المتبعة، علاوة على أنها تقر إجراءات تقليص للأسلحة يتخذها الروس حاليا بالفعل لدواع اقتصادية.

بيد أنه بوجه عام، يمكن القول بأن أربع نقاط رئيسة تبدو لافتة للانتباه فيما يتعلق بهذه المعاهدة:

أولا: أن المعاهدة تشكل عودة إلى النهج الرئيسي لسياسة الحد من الأسلحة لدى القوى العظمى الذي بدأه الرئيس جون إف. كينيدي. ويشكل نهج إدارة أوباما انحرافا بعيدا عن التوجه الانفرادي المميز لإدارة الرئيس جورج دبليو. بوش، وعودة إلى الاتفاقات التي تقوم على الأخذ والعطاء التي تعكس المعاهدات السابقة التي أبرمها الرئيسان جورج إتش. دبليو. بوش ورونالد ريغان. الملاحظ أن هذه النوعية من الاتفاقات وأنظمة التحقق الخاصة بها تخلق نمطا من الثقة والقدرة على توقع الخطوات المستقبلية تقضي على مشاعر الخوف المرضي التي عادة ما يتسم بها المخططون المعنيون بالأمن القومي الذين يتحتم عليهم دراسة أسوأ السيناريوهات الممكنة.

ثانيا: تنطوي المعاهدة الجديدة على أهمية كبيرة، من الناحيتين الفعلية والرمزية، من حيث التوجه الجديد الذي تدفع إليه العلاقات الأميركية - الروسية، فمن دون التعاون العميق الذي تجسده هذه المعاهدة، ليس هناك من أمل أمام أي من الدولتين في الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي والحروب النووية. ويجب أن تشكل مسألة تقليص هذه الأخطار بدرجة أكبر أولوية كبرى أمام قادة الدولتين اللتين لا تزالان تمتلكان 95% من إجمالي الأسلحة والمواد النووية على مستوى العالم.

ثالثا: رغم أنه من المقرر أن يجري تخفيض الأسلحة النووية الاستراتيجية النشطة لدى البلدين بنسبة 30% فقط، فإن المعاهدة توحي بقوة بجدية الجانبين حيال الالتزام بتعهداتهما في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي المرتبطة بالتفاوض في اتجاه القضاء الكامل على الأسلحة النووية. وربما يشير نقاد إلى أن الولايات المتحدة وروسيا مسموح لهما بالإبقاء على 1550 رأسا حربيا نوويا استراتيجيا وعدد أكبر بكثير من الأسلحة والعناصر المكافئة للأسلحة في مخزوناتهما العسكرية. لكن هذا القول يغفل النقطة الرئيسية: كيف تبدو الأعداد المنصوص عليها في معاهدة «ستارت» الجديدة مقارنة بما كانت تملكه الدولتان في ذروة الحرب الباردة. لقد امتلكت واشنطن وموسكو أكثر من 68000 سلاح نووي خلال ذروة الحرب الباردة. عام 1991، عندما وضعت الحرب الباردة أوزارها، استقرت أعداد الأسلحة عند مستوى 55000. ومن شأن معاهدة «ستارت» الجديدة تقليص الرؤوس الحربية الاستراتيجية المنشورة إلى مستويات تعادل قرابة 90% أدنى مما كانت عليه في أعلى مستوى لها.

رابعا: تتمثل القضية الأكثر أهمية في هذا الإطار في العلاقة بين هذه الإجراءات الأميركية والروسية وسلوك إيران وكوريا الشمالية وباكستان ودول أخرى. كيف ستؤثر إجراءات تقليص الترسانة النووية الاستراتيجية الأميركية أو الروسية على حسابات الباكستانيين المتعلقة بتأمين ترسانتهم النووية ضد المتعاطفين مع طالبان و«القاعدة» داخل خدماتهم الأمنية، أو الأطماع النووية للنظام الحاكم في إيران، أو عزم أسامة بن لادن امتلاك سلاح نووي، أو قرار كيم يونغ إيل بيع سلاح نووي لبن لادن؟

من الواضح أن التأثير لن يكون مباشرا. في الواقع، إذا قضت واشنطن وموسكو على الأسلحة النووية لديهما، ستزداد قيمة الأسلحة النووية بحوزة الكوريين الشماليين أو الإيرانيين. لقد رسم الرئيس أوباما بوضوح صورة تبعث على أمل أكبر لما أطلق عليه «الربيع النووي». ولم يتضح بعد ما إذا كانت لدى إدارته القدرة على إقناع الآخرين باتخاذ الخطوات اللازمة لإنجاح هذه الرؤية.

* مدير «مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية» بمدرسة كينيدي للحكم في جامعة هارفارد.. ومؤلف كتاب «الإرهاب النووي: الكارثة الكبرى التي يمكن منعها»

* خدمة «واشنطن بوست»