مي.. و.. زيادة

TT

شغلت الأديبة اللبنانية مي زيادة الأوساط الثقافية في مصر لردح من الزمن. كانت امرأة مسيحية على درجة كبيرة من الحسن والكرم والسماحة والثقافة العالمية، وفتحت لجمهور المثقفين صالونا أدبيا في بيتها في القاهرة مساء كل يوم ثلاثاء. وكلها مؤهلات تثير معشر الرجال من الأدباء والمتأدبين. فأصبحت امرأة أخرى من قوم عيسى أسرت قلوب المؤمنين بدين محمد، وأعطتنا مثالا آخر من الأمثلة المشرفة للتعايش بين الأديان في عالمنا العربي. وقع في أسر حبها الكثير منهم. وكان في مقدمتهم إسماعيل صدقي باشا (وأحافظ على ذكر اللقب باشا لأننا في زمن الجهالات هذا أصبحنا نحن لأيام الباشوات). يظهر أنه لم يحظ برؤيتها إلا في صالونها يوم الثلاثاء. فكتب إليها يعبر عن حنينه:

«روحي على بعض دور الحي حائمة

كظامئ الطير تواقا إلى الماء

إن لم أمتع بمي ناظري غدا

أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء»

وواصل مراسلاته معها شعرا يعبر عن وجده وعذابه بحبها:

«كل شيء يا مي عندك غال

غير أني وحدي لديك رخيص»

وعاد فكتب لها أيضا:

«تفديك أعين قوم حولك ازدحمت

عطشى إلى نهلة من وجهك الحسن

جردت كل مليح من ملاحته

لم تتق الله في ظبي وفي غصن»

ويظهر أن قلبها قد تعلق بعباس محمود العقاد حتى أشيع عنهما أنهما قد تزوجا سرا. وهذا أمر ظريف في عالمنا. سمعت عمن يزاولون الحرام سرا، ولكنْ ها هنا اثنان يزاولان الحلال بالسر. ولكنه العقاد معقد كل شيء. كتب إليها:

«أرسلي الشعر خلف ظهرك ليلا

واعقديه من فوق رأسك تاجا

أنت في الحالتين بدر نراه

ساطعا آية الدجى وهاجا»

ومضى الأديب الكبير يناجيها فيقول:

«يا ظبية من ظباء الإنس راتعة

بين القصور تعالى الله باريك

هل النعيم سوى يوم أراك به

أو ساعة بت أقضيها بناديك

وهل يعد عليّ العمر واهبه

إن لم يجمله نظم الدر من فيك

إن قابلتك الصبا من مصر عاطرة

فأيقني أنها عني تناجيك».