ما تعلمناه في مدينة أوكلاهوما

TT

منذ خمسة عشر عاما ماضية، وقع حادث تفجير في مبنى ألفريد بي. موراه في أوكلاهوما سيتي، مما أسفر عن مصرع 168 رجلا وامرأة وطفلا. وكان هذا الحادث، حتى وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، الهجوم الإرهابي الأسوأ من نوعه في التاريخ الأميركي. إلا أن ما أعقبه من أحداث - تمثلت في التعاطف والاهتمام والحب الذي أبدته أعداد لا تحصى من الأميركيين من مختلف الأطياف تجاه الضحايا وأسرهم - كان بمثابة شهادة تكشف الوجه الأفضل لأميركا. وقد خرجنا من هذه الفترة بدروس لا تقل في أهميتها الآن عما كانت عليه آنذاك.

كان معظم من لقي حتفه ذلك اليوم من موظفي الحكومة الفيدرالية، وكانوا رجالا ونساء كرسوا حياتهم المهنية لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، ودعم جنودنا وفرض القانون. لقد كانوا جيرانا صالحين وأصدقاء مخلصين. وكان أحدهم عميلا لدى الخدمات الخاصة، ويدعى آل ويتشر، وهو زوج وأب لثلاثة أطفال، عضو بالفريق الأمني الرئاسي خلال فترة رئاستي. كما أسفر الحادث عن مصرع تسعة عشر طفلا.

من ناحية أخرى، تعرض من نجوا من الحادث لآلام كبرى وخسارة فادحة. لحسن الحظ، اتبع الكثيرون منهم نصيحة سيدة كانت مدركة تماما لشعورهم، وهي أم لثلاثة أطفال فقدت زوجها في رحلة «بان أميركان» رقم 103 عام 1988، حيث أخبرتهم «لا ينبغي أن تسمحوا لشعور الخسارة الذي تعانونه بإصابة حياتكم بالشلل، وإنما يجب أن تحاولوا إظهار عرفانكم لأحبائكم من خلال الاستمرار في القيام بكل ما تركوه وراءهم دون إنجازه. وبذلك، تضمنون أن حياتهم لم تذهب سدى».

ونشعر بامتنان بالغ لأن هذا، تحديدا، كان النهج الذي سلكه الكثير من الناجين. إضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن نغفل الاستجابة الشجاعة والمحبة من جانب أبناء وقيادات أوكلاهوما سيتي وولاية أوكلاهوما، علاوة على مسؤولي خدمة الإطفاء والآخرين الذين قدموا من شتى أرجاء أميركا لمد يد العون.

في أعقاب التفجير، حثت أوكلاهوما سيتي الكونغرس على الموافقة على معظم المقترحات التي تقدمت بها لصياغة نهج أقوى وأكثر تنظيما نحو الدفاع عن وطننا ومواطنيه ضد الإرهاب، وذلك في إطار جهود لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، مثلما رأينا في اجتماع القمة المبهر الذي عقده الرئيس أوباما الأسبوع الماضي، لتأمين جميع مصادر المواد النووية التي يمكن استغلالها في صنع قنابل.

وأخيرا، ينبغي ألا ننسى الدافع الذي حرك منفذي التفجير، وكيف برروا لأنفسهم الإتيان بتلك الأفعال. لقد اعتنقوا على نحو شديد التطرف فكرة جرى الترويج لها خلال الشهور والسنوات السابقة للتفجير من قبل أقلية ذات وجود واضح على نحو متزايد، مفادها أن التهديد الأكبر للحرية الأميركية ناشئ عن حكومتنا، وأن الموظفين العموميين لا يحمون حرياتنا، وإنما ينتهكونها. في ذلك اليوم الموافق 19 أبريل (نيسان)، الذي وافق الذكرى الثانية لهجوم ضد مجمع طائفة «ديفيدون» (Branch Davidian) بالقرب من واكو، قررت حفنة من الأميركيين تشعر بسخط بالغ ومنعزلة عن المجتمع المحيط أن القتل صفعة للحرية.

الواضح أن الأميركيين يتمتعون بقدر أكبر من الحرية وحقوق أوسع نطاقا عن أي أمة أخرى تقريبا على وجه الأرض، بما في ذلك قدرتهم على انتقاد حكومتهم ومسؤوليهم المنتخبين. لكننا لا نملك حق اللجوء إلى العنف - أو التهديد بالعنف - عندما لا تسير الأمور على النهج الذي نرغبه. لقد وضع آباؤنا المؤسسون نظاما للحكومة يضمن تغلب العقل والمنطق على الخوف. وقد أثبت حادث أوكلاهوما سيتي مجددا أنه من دون القانون لن تكون هناك حرية.

يشكل النقد جزءا من شريان الحياة الذي تتغذى عليه الديمقراطية، فليس هناك من هو على صواب طوال الوقت. لكن علينا أن نتذكر أن هناك اختلافا كبيرا بين انتقاد سياسة أو سياسي ما، وتشويه صورة الحكومة التي تكفل حرياتنا والموظفين العموميين الذين يفرضون قوانيننا.

إننا نتعامل مجددا مع صعوبات في فترة تتسم بمشاحنات وانقسامات حزبية واضحة. لكننا أصبحنا أكثر تواصلا عن أي وقت مضى، وأكثر قدرة على نشر أفكارنا ومعتقداتنا والتعبير عن غضبنا ومخاوفنا. مع دعوتنا لحق الدفاع عن آرائنا، ومع تشجيعنا أنصارنا، ينبغي أن نتحمل جميعا مسؤولية الكلمات التي نتفوه بها والتصرفات التي تصدر عنا قبل أن تصل إلى جمهور يضم الجاد والساخر، والراضي والساخط.

إن الفضائل المدنية ربما تتضمن توجيه النقد القاسي والاعتراض، بل والعصيان المدني، لكنها لا تتضمن أبدا العنف. هذا تحديدا هو الخط الفاصل الواضح الذي يحمي حريتنا. وقد أقر هذا الخط منذ أمد بعيد، تحديدا منذ عهد الرئيس جورج واشنطن الذي استدعى 13000 جندي استجابة لـ«تمرد ويسكي».

منذ خمسة عشر عاما ماضية، تم تجاوز هذا الخط في أوكلاهوما سيتي. وفي ظل المناخ الراهن، ومع وجود الكثير من الأخطار المحدقة بالرئيس وأعضاء الكونغرس والمسؤولين العموميين الآخرين، ندين لضحايا تفجير أوكلاهوما والناجين منه بضرورة الحرص على عدم تجاوزه مجددا.

* الرئيس الأميركي الأسبق ومؤسس «مؤسسة ويليام جيه كلينتون»

* خدمة «نيويورك تايمز»