مدوا أيديكم إلى أوباما

TT

مدوا أيديكم واستفيدوا من الفرصة التاريخية التي تمر بنا.. مدوا أيديكم إلى الرئيس أوباما فهو رجل يتحرك بوعي ومسؤولية تجاه قضايانا.. فلا تضيعوا هذه الفرصة.. فقد فرحنا يوم دخوله إلى البيت الأبيض.. وأفرطنا في التفاؤل إلى درجة أننا توهمنا بيده مفتاحا سحريا لكل قضايانا، وإنصافا كاملا لنا ولعودة أراضينا إلينا.. وربما طرد الصهاينة أو على الأقل تحجيمهم.. وقلت يومها: «إن هذا رجل أبيض دخل إلى بيت أسود» ونسينا في غمرة هذه المشاعر ولم ندرك أن لنا دورا في كل ذلك.. وإننا أضعنا فرصا كثيرة قدمها هذا الرجل وقاد حكومته نحو خطوات عقلانية كانت تستوجب التجاوب معه.. والتغلب على عنادنا، والتخفيف من ضجيجنا الإعلامي الذي لا طحن خلفه.. ومن عنادنا الذي ما زال يقودنا إلى مزيد من الدمار والضياع.. وآلاف من أطفالنا يقتلون ويشردون بعضهم بأيدي العدو وبعضهم بأيدينا.. وبقرارات ظالمة وعنجهيات لم نتقدم بها خطوة واحدة إلى الأمام.

إن أوباما رجل له قلب، وينظر إلى مصلحة أميركا قبل أي مصلحة وتحكمه قوانين، وتؤثر عليه قوى سياسية ذات مصالح، وكنائس ومؤسسات ولكنه استطاع رغم كل ذلك أن يمد يده إلينا، ويقول لنا: «الحل من هنا»، ولم نمد نحن أيدينا له، بل على العكس من ذلك شككنا في كل نياته، ورددنا في سذاجة عجيبة وبلاهة، بأن شعبيته أخذت تنحدر في الولايات المتحدة، كأنما هي فرصة أن نخسر رجلا دخل بنظرة خضراء إلى بيت ملتهب، كل ما فيه أحمر، وكل ما فيه خطر، وقدم لنا الفرصة فلم ننظر إليها بعمق.. ونسأل: أين المفكرون عندنا؟! أين المحللون السياسيون الذين يرشدون زعماء الأمة إلى خطورة ضياع الفرصة من أيدينا؟! فهذا رجل يتحرك برؤية سياسية واضحة وجدول لعمل فاعل بناء، حتى غضب عليه المتطرفون، وعلى قمتهم نتنياهو.. وغامروا بخطورة الصدام معه، اعتمادا على من يدعمهم من القوى اليهودية في أميركا، وأصحاب المصالح الأساسية من الجمهوريين.

فلماذا بقينا في هذه الغفلة وتعاملنا مع الرجل بهذه القسوة؟! فهو رجل من المثقفين لا مجرد سياسي عابر، فيه ألوان من المثالية كسبها من خلال دراسته واحترامه للإنسان، وحرية الإنسان، ولهذا نظر إلى قضية فلسطين نظرات جادة، وبدت ملامح قوية تدل على أن إسرائيل أخذت تفقد أعصابها من تطورات التحرك من قبل أوباما، بل وحتى أقطاب مهمة وقوى في الحكومة الأميركية، وهذا أثر على اتزان إسرائيل، لأنها أخذت تلوم حتى نتنياهو بأن تحركاته خاطئة، وأنها قد تؤدي إلى تصدع العلاقة بينه وبين المجتمع الدولي، وأفهموه أنه يقود إلى حرب دينيه لا قبل له بها، واستغلوا تصعيده الإعلامي ليكسب من قضية التعايش مع إيران، ودخلت تركيا في جانب مهم من القضية، ونحن في غفلة عن كل ذلك ورجعنا إلى اللاءات.. لا.. لا.. لا.. في وقت يجب أن نقول فيه نعم لحل يخرجنا من هذا البلاء، فلا نحن ركزنا إعلاميا على فضح موجات الاستعمار والعنصرية الذي تتبعها إسرائيل، ولا نحن صحونا من غفلتنا، بل تمادوا في الأمر وصورونا بأننا نحن الذين نعتدي على حقوق شعب آمن ونريد أن نخرجه من وطنه، وهكذا صورونا أمام العالم بأننا أخذنا حقوقهم، ونرغب في سحقهم، وأخذ العالم يصدقهم.. لأننا غفلنا وأهملنا وثرثرنا.. ونمنا وانفعلنا وشجبنا وأدنّا.. وهم يعملون ويفعلون.

ومن حسن الحظ أن المحللين داخل إسرائيل بدأوا يشعرون بخطورة هذا الاتجاه، ومخاطر الحرب الدينية، وهناك فتنة لم نستغلها أيضا ولم نروج لها حتى إن بعضنا في غفلة عنها، يوم قالت أولبرايت: «يجدر بنتنياهو أن يشعر بالقلق من الولايات المتحدة»، ودعوا إلى كبح جماح الجنون الإسرائيلي، وسمعنا ذلك التعبير الدقيق بأن قائد إسرائيل أو رب البيت كما يقولون قد جن جنونه، فهل استغللنا ذلك أو بعض ذلك؟! وهل كشفنا حتى للإسرائيليين أنفسهم كمفكرين وسياسيين عرب بأن هناك نتائج سلبية على إسرائيل بل وعلى المصالح الأميركية؟ ولكننا لا نفعل شيئا من ذلك. إننا يا قوم يجب أن نبدأ، ونؤمن نحن والإخوة الفلسطينيون أولا، بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي لأن ذلك يعيننا على حقن بقية الدماء وإخراج أهلنا من كل هذا البلاء، وعودة الوطن ولو بالتدريج والتحرك بوعي وحكمة وهمة وعقل ومسؤولية.

إن من واجبنا أن ندرك أن أوباما رجل أخضر في البيت الأحمر، وأن هذا الرجل يتقدم بثقة وفهم وحرص على سلامة أميركا ولكنه يضع في اعتباره كرامة الإنسان، وجاء بعد رجل أشبع الدنيا كذبا ولعنته الأرض والسماء، ولكننا الآن نشاهد رجلا يتحرك بقوة تشريعية فاقت تصور كل من يتابع خطواته وهي خطوات تشريعية جادة فاقت كثيرا ممن سبقه وحشد الحزب الديمقراطي بصورة لم ترَها أميركا بهذا الزخم من قبل.

إنه رجل يتحرك بإنصاف، وبدلا من عونه غدونا نحاربه ونفرح بتراجع شعبيته - كما قلت - وبكل أسف أصبحنا نكتفي بالحديث عن عامه الأول وكأنه عام فشل، اعتمادا على إحصائيات لم نحسن قراءتها، مع أنه في المحصلة حقق نجاحا أساسيا، وأسّس لتغيير عميق، وكان من واجبنا أن نتفهم ونحن نطرح قضايانا من هذه الزاوية، أن الوقت يسير في صالحنا، ولكننا لا نستفيد منه.

إن الإخوة في فلسطين، بل وكلنا في أنحاء هذا العالم العربي، من واجبنا أن نعيد النظر في هذه الخطط البلهاء التي نتعامل بها مع هذا الرجل لأننا نضيع الفرصة فلا نحن أشعرناه بجديتنا ولا نحن تحركنا بمرونة ورؤى ولا أسهمنا في دعمه تجاه الاتجاهات الصهيونية، وليتنا نقرأ كتابه «جرأة الأمل» حتى نعرف كيف يفكر هذا الإنسان.

وليتنا نعود بالذاكرة إلى الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة وقال فيه بكل صراحة إنه يبحث عن بدايات جديدة للولايات المتحدة والمسلمين في جميع أنحاء العالم، بخطه تستند إلى الاحترام المتبادل، ولم نضع أي خطة للتعامل أو استيعاب هذا التوجه، وتبدو تلك الخطوات مهمة في ضوء التوجه الحالي والخطوات الفاعلة التي تتحرك بها أميركا في اتجاه قضية فلسطين، وهؤلاء الذين تشردوا دون ذنب ولا خطيئة، وما دامت أميركا تسعي لإحياء عملية السلام الفلسطينية فلماذا لا نتحرك بوعي ومسؤولية للاستفادة من هذه الفرصة ونستفيد من تصريحات تفيدنا، فمثلا عندما قالوا بكل صراحة على لسان وزيرة الخارجية الأميركية: «ندعو إلى دولة مستقلة فلسطينية قابلة للحياة على أساس حدود عام 1967م.. فهل ركزنا.. أو حتى تحركنا للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية؟

وفي الختام أقول بكل صراحة إن أوباما رجل يستحق أن نتعاون معه لتجاوز هذه المحن التي يعيش فيها أهلنا في فلسطين، ودعونا من الخطب الرنانة فالرجل يتحرك بصدق ومسؤولية، وقد كسب الرهان في أكثر من موقف، وحتى لو صده بعض من الساسة، فإن غالبية الشعب الأميركي ينصت إليه، ويتتبع نشاطه، وهذا ما يجعله أكثر قوة في المستقبل، لأن أميركا تتقدم بصورة تبعث على التفاؤل، بأن ما سيحكمها هو المصالح الأميركية قبل أي مصالح أخرى.

إنه يكسب الشعب ويكسب الأمة ويحاول أن يكسبنا، فلماذا هذا الصدود؟! وإلى متى هذا الارتجال؟! وكما قال هوبير فيذرت وزير خارجية فرنسا السابق فإن أوباما يحاول تغيير المناخ السياسي العالمي الذي خلفته إدارة بوش التي اعتمدت على استراتيجية المواجهة بين الحضارة الغربية وبقية العالم، مع عدائية خاصة تجاه العالم العربي والإسلامي، إلى سياسة جديدة تستحق من العالَمين العربي والإسلامي استيعابها.

ومن الخطأ فعلا أن يظن البعض أن هذا الرجل ضعيف كما يصوره بعض الخصوم ونتلقفها نحن في سذاجة مع أنه رجل قوي ويتحرك بعلمية وواقعية وله أفكار مستقبلية وبدأنا نسمع منه لغة مختلفة.

وبكل أسف فإن خطوات أوباما جاءت في وجود حكومة إسرائيلية متشددة يقودها رجل لا يؤمن بحل القضية الفلسطينية، بل ويدفعنا بخبث إلى عدم التحرك في الاتجاه الصحيح، والانشغال بالرد على خطبه، ورغم أن الذين أيدوا ويؤيدون الموقف الأوروبي العادل قله، فإن الوضع بدأ يتغير وبدا أكثر وضوحا للكثيرين أن ما تقوله القوي اليهودية والصهيونية على وجه الخصوص هو باطل وحجْب لمعظم الحقائق، ولكن في النهاية يقع اللوم علينا لضعف قوانا الإعلامية العربية في الوصول إلى الطرف الآخر، وترك المجال خصبا أمام الإعلام الصهيوني ليصورنا بصور مشوهة.

ومن هذا المنطلق، فأنا اشعر أن الوقت قد آن لكي نتحرك بصورة فاعلة على الأقل في الطريق الذي يخدم مصالحنا جميعا كأمة عربية، ويعين العالم على فهمنا وعلى الأقل لكل من يقدم لنا يدا أو يتجه نحونا خطوة أن نتصل به ونعبّر عن شكرنا ونتعاون من أجل الوصول إلى الهدف المنشود. وهناك قضية مهمة هي أن العالم الإسلامي قد دخل معنا بقوة في إطار القضية الفلسطينية، ولكنه لم يجد التجاوب الكامل، ثم جاءت كارثة القدس والهجوم على المسجد الأقصى، والعبث بآثار المدينة بكاملها، والمحاولة التي تتم لتغيير هويتها، فتنادى العالم الإسلامي للدفاع عنها، ولكن بقيت مجرد مشاعر وعواطف لم نستغلها لتفعيل الحدث ومواجهته بصورة علمية وحضارية تصل إلى آذان العالم حتى يشعر بمدى الظلم الذي يقع على هذا الوطن العزيز وعلى هذه الأرض الفلسطينية الغالية.

لقد آن الأوان أن نتحرك بموضوعية وصدق وأن يمد بعضنا الأيدي إلى بعض، ثم نمد يدنا إلى كل يد تسعى للتعاون معنا.

* وزير الاعلام السعودي الأسبق