ضرورة نشر حرية الصحافة في أرجاء العالم

TT

في الوقت الذي تتطلع فيه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو أفكار كبرى لصياغة سياستها الخارجية، ينبغي أن يطلع المسؤولون على كتاب جديد يدور حول فكرة أن قدر أميركا في القرن الحادي والعشرين يتمثل في نشر المعايير التي يتضمنها التعديل الأول للدستور الأميركي إلى أجزاء العالم الأخرى.

والكتاب، يدعو بحماس إلى نشر حرية الصحافة «بلا معوقات وبنشاط وانفتاح تام»، ووضعه لي بولينغر، رئيس جامعة كولومبيا. وقد تحدثت إليه خلال ندوة عقدت الأسبوع الماضي قائلا إنه إذا ما نال الصحافيون فرصة المشهد الإعلامي الآن لكانوا وصفوه على نحو أكثر قتامة، مثل «متوتر ومفلس وقابع في مكانه». تدور وجهة نظر بولينغر حول أنه في ظل اقتصاد متعولم، نواجه الحاجة إلى قواعد تكفل الإتاحة الكاملة للمعلومات. إلا أنه بدلا من ذلك، نشهد تعمد الحكومات الاستبدادية، من الصين إلى إيران، السيطرة على تدفق المعلومات. ويؤثر هذا الأمر على شركات خاصة مثل «غوغل» ومنظمات إخبارية مثل «واشنطن بوست». لكن، حسبما يقول بولينغر، فإن هناك مصلحة عامة قوية أمام الحكومة الأميركية تفرض عليها العمل على إبقاء تدفق المعلومات بأكبر قدر ممكن من الحرية.

وكتب بولينغر أن «نشر مبدأ حرية الصحافة على الساحة العالمية ينبغي أن يشكل هدفا رئيسا في خضم جهودنا لبناء أسس مجتمع عالمي». وأشار إلى أن وحدات بناء مثل هذا النظام العالمي قائمة بالفعل، متمثلة في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان واتفاقات التجارة الحرة وغيرها من الاتفاقات. ومع ذلك، نجد أن الولايات المتحدة قاومت بعض تلك المنتديات التي يمكنها تحقيق قدر أكبر من الانفتاح، خشية إقدام حكومات أخرى على استغلالها ضدنا.

ونظرا لأننا نتحدث هنا عن الدعوة للانفتاح، ينبغي أن أشير إلى أن بولينغر عمل من قبل مديرا لـ«ذي واشنطن بوست كو»، وقد بعث لي بمسودة للكتاب منذ بضعة أسابيع للتعليق عليه.

الواضح أن التدفق الحر للمعلومات تحول إلى عنصر استراتيجي متغير، وهذا هو السبب وراء شعور الحكام الاستبداديين بالفزع إزاء البث الحي لـ«الثورات الملونة» عبر محطة «سي إن إن». ويدرك قادة إيران جيدا أنه حال اتصال العالم ببعضه عبر شبكة الإنترنت، فإنهم سيصبحون عاجزين عن قمع المتظاهرين في الشوارع بلا هوادة. ويخشى القادة الصينيون من أنه إذا بحث المواطنون بحرية عبر محرك البحث «غوغل»، فإن الحزب الشيوعي سيفقد أداة رئيسية للسيطرة.

بيد أن المفارقة تكمن في أن جهود السيطرة على المعلومات في عصر الإنترنت تحمل في داخلها عناصر فشلها، ذلك أنها تستلزم آليات دقيقة ومتجددة باستمرار لفرض الرقابة، الأمر الذي من شأنه عزل الدولة التي تمارس ذلك عن الاقتصاد العالمي. ربما يفلح هذا الأمر في دولة مثل كوريا الشمالية، حيث فرضت على الشعب منذ فترة بعيدة العزلة عن العالم بحيث باتوا عاجزين عن إدراك الصورة التي يبدو عليها العالم. إلا أنه لن يفلح مع الإيرانيين أو الصينيين الذين يروق لهم الاتصال بالعالم ويرغبون في مزيد من التواصل معه، وليس أقل.

ومع ذلك، يصر خصوم حرية الصحافة على موقفهم، رغم علمهم أنهم يخوضون معركة خاسرة. عام 2001، سألت لي كوان يو، قائد سنغافورة السابق، لماذا استغلال قانون التشهير وأدوات أخرى في قمع منتقديه. وفي رده، اعترف رئيس الوزراء السنغافوري بأن الرقابة تؤتي بنتائج عكسية في عصر الإنترنت. وقال: «إما أن تستخدم الإنترنت أو تصبح متخلفا». ومع ذلك، استمر محامو سنغافورة في استصدار أوامر قضائية ضد الأخبار التي لا تروق للقيادة.

من جانبي، يخالجني الحذر حيال دعوة بولينغر لتوفير الدعم العام للمنظمات الإخبارية الأميركية في الفترة العصيبة الراهنة، وأخشى أن تعني مزيدا من «التداخل» بين الحكومة والصحافة في وقت نحتاج فيه لقدر أقل من هذا التداخل. إن الصحافيين الأميركيين بحاجة لحماية صورتهم المستقلة، في الداخل والخارج. كما أنهم بحاجة لطمأنة الناس لأنهم عمدوا إلى تفحص وتطهير قناعاتهم الشخصية - الوطنية والآيديولوجية والثقافية والدينية - عندما انضموا إلى العمل الصحافي. إلا أن مسألة تلقي إعانات عامة تزيد من صعوبة هذا الأمر.

أيضا، يساورني قلق حيال التنظيم الدولي للمعلومات أو جمع الأنباء والأخبار، حتى وإن كان هذا باسم الانفتاح. لذلك، أتمنى أن أرى الصحافيين يقاتلون بضراوة أكبر عن أنفسهم في هذه المعركة - عبر التعاون مع أقرانهم في الصين وإيران، ومئات الدول الأخرى الأقل رقابة، سعيا لتحقيق قدر أكبر من الإتاحة للمعلومات والانفتاح.

لكن مثلما أوضح بولينغر، فإن الحكومة الأميركية تحمل على عاتقها اليوم مسؤولية حماية التدفق الحر للمعلومات الإلكترونية، مثلما يحمي الأسطول الأميركي حرية الملاحة في أعالي البحار. وعليه، لا ينبغي ترك «غوغل» تخوض معاركها الرقمية بمفردها أو القلق من أنها إذا تصدت للرقابة، ستسارع «مايكروسوفت» لاقتناص الفرص التجارية منها.

الملاحظ أن دعوة بولينغر لإقرار تعديل أول عالمي لاقى انتقادات باعتباره مفرطا في المثالية، لكن تحرك العالم المستمر نحو شبكة الإنترنت ينبئني أننا على الجانب الصحيح من التاريخ حيال هذه القضية. لقد ولدت شبكة الإنترنت حرة، وينبغي أن نصر على ألا تصدر أية حكومة قانونا ينتهك هذه الحرية.

*خدمة «واشنطن بوست»