ما هكذا تدار اللعبة

TT

من حقنا أن نقلق على أمننا من المشروع النووي الإيراني، ومن واجبنا كبشر الاطمئنان على مستقبل أجيالنا وسلامة أطفالنا في بريطانيا وأوروبا والبلاد العربية وغيرها، حيال التهديدات الأكثر خطرا. وليس من الإنصاف الشك في نياتكم وتوجهاتكم للحفاظ على الأمن. لكن استراتيجيتكم وأنتم الدولة العظمى في العالم لم تحقق نتائج ملموسة يا فخامة الرئيس أوباما. وقد أدارت مؤسساتكم اللعبة بطريقة أدت إلى المزيد من تمادي الجهة المارقة. مع أن لديكم مؤسسات استخبارية ضخمة ومتميزة، خصوصا في نطاق تعاونها وتنسيقها مع الأجهزة المماثلة حول العالم.

إيران ليست في حاجة إلى المال في ضوء الأسعار العالية للنفط، لأنها ليست مهتمة بالوضع المعيشي للفقراء من الإيرانيين. ولديها مؤسسات أخطبوطية منتشرة في الكثير من الدول تمكنها من تهريب المزيد من المواد والمعدات المحظور تصديرها إليها. ولها أجهزة استخبارات لا ينبغي الاستهانة بها، ولها اتصالات وروابط مع أجهزة الإرهاب العالمي. وتلتقي مصالحها مع دول كبرى جعلت محاولات فرض عقوبات أممية صارمة بعيدة التحقق. ولنا في الصين وحتى روسيا في أحيان كثيرة مثل على ذلك. وقد وصل الأمر إلى تحذيرات من مغبة مهاجمة المشروعات النووية الإيرانية، كأن خطوة كهذه ستكون نهاية العالم، لأن الأركان الروسية تتوقع احتمال استخدام أسلحة نووية. فكيف ستكون الحال لو أن إيران كوّنت ترسانة نووية وعززت وطورت قدراتها الصاروخية أو عملت بغوغائية الحقد على تزويد قوى إرهابية بقدرات من هذا النوع؟ فهل ستتمكنون من تفتيش كل حاوية تمر عبر البحار؟

نقرأ تقارير تتحدث عن قدرة أميركية على إحباط المشروعات الإيرانية بطرق فنية تتعلق بنوع المواد. وفي الحقيقة إن كلاما من هذا لا يتعدى الهراء والضحك على عقول السذج من البشر! ولا ينبغي التعويل المطلق على تقارير المخابرات عندما تتضارب، ولا على الكثير مما يقوله الهاربون من إيران، حتى لو عملوا ضمن الاختصاص الخاص من البرامج المثيرة للقلق. فالمشروع الإيراني واضحة أهدافه كوضوح الشمس في بلاد الشرق، ولا يجوز التقليل من خطورته ومراحل تطوره. فبين فترة وأخرى لا تجف خلالها أحبار التقارير، يكشف المسؤولون الإيرانيون معلومات عن تطورات خطرة، خصوصا ما يرتبط بالجيل الثالث من أجهزة الطرد المركزي الذي تحرمه القرارات الدولية. فهل يعقل أنهم يقدمون كشفا سخيا آنيا ببراءة تعبيرا عن سلمية برامجهم؟ أم أنهم قطعوا شوطا طويلا بمراحل أخرى قبل الإعلان؟

لقد وصلت اللعبة إلى مرحلة تتطلب تقدير عامل الوقت، وينبغي الاحتفاظ دائما بـ«ضميمة» للتحسب حيال احتمالات الخطأ الاستخباري. فالخطأ في تقدير درجة الخطر بالتقليل منها لا يمكن تدارك نتائجه، لأن الوقت يكون قد مضى ولا تفيد إجراءات الترقيع لفتق يحدث على حين غرة.

الجنرال مولن قائد الجيوش الأميركية كشف هذه المرة ما لم يكن قد أُعلنَ سابقا، عن أن ضربة لبرامج التحدي ستترك أثرا بعيدا عليها. بعد أن تركت تصريحات متناقضة ضبابية، شعورا خاطئا حتى لدى المسؤولين الإيرانيين عن عجز أميركي، وكأنهم باتوا محصنين تجاه وسائل الردع الاستراتيجي! وكلما آمن المهووسون ببناء القوة غير الشرعية العقاب تمادوا في نياتهم. لذلك لا بد من تغيير قواعد اللعبة.

مضى أكثر من عشرة أشهر على حملة الاحتجاجات الشعبية على نتائج الانتخابات الإيرانية، وقد ترك العالم المحتجين يتصدون للقهر والظلم وحدهم بصدور مكشوفة، ولم يتلقوا إلا دعما إعلاميا ونفسيا.

ليس من مصلحة الصين ولا روسيا نشوب حرب قوية في منطقة الخليج، لأنهما ستتأثران بشدة بنتائجها، ولأنهما على بينة بأن التوسع في العمليات عن بعد على أساس رد الفعل على تهور إيراني سيضع نظام المرشد وفلسفة ولاية الفقيه في خانة السقوط، حتى لو قال هذا المعارض أو ذاك إنهم سيكونون موحدين إلى جانب النظام.

المطلوب الآن هو تسريع التوسع في فرض العقوبات، والتعبير الواضح بلغة التلويح الفعلي للخيار الأكثر ردعا لا التكرار الممل، وإذا كان الفعل العسكري هو الخيار الأخير لحماية أمن العالم ومستقبل الأجيال فالمسؤولون الإيرانيون هم الذين يتحملون مسؤولية العواقب، بعد توفيق ذلك مع القوانين والأعراف الدولية ومتطلبات أمن العالم.