انتبهوا أيها السادة

TT

هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين العراق وأفغانستان، ولكنهما تتشابهان من زاوية واحدة وخطيرة. فعلى الرغم من أن «الأشرار»، أو الجهاديين، الذين يمارسون العنف يخسرون في كلتا الدولتين، فإنه ما زال من غير الواضح إذا ما كان «الأخيار» في كلتا الدولتين هم أخيار حقا أم لا.

والسؤال الصعب الذي يواجهه فريق أوباما في كلتا الدولتين الآن هو: هل يجب أن نهتم بما يحدث هناك؟ هل يجب أن نهتم بما إذا كانت هذه الدول يديرها قادة شرفاء أم تجار مخدرات ولصوص نفط من الممثلين الثانويين بمسلسل «سوبرانو» ما دمنا نستطيع ببساطة الخروج منها؟ أجل، يجب أن نهتم في هذه المرحلة، وهذه هي الأسباب.

لقد قرأت الكثير من المقالات التحليلية التي توجه انتقادات إلى الرئيس أوباما ونائبه بايدن لقسوتهم في التعامل مع فساد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، حيث يحتج هؤلاء المنتقدون بأن كرزاي هو أفضل ما يمكن الحصول عليه في الوقت الراهن، فقد ساعدنا في تحقيق هدفنا الرئيسي في القضاء على تنظيم القاعدة والقيام ببعض الأشياء الطيبة مثل فتح المدارس أمام الطالبات الإناث. وعلى الرغم من أنه سرق الانتخابات فإنه ما زال أكثر شعبية من أي شخص آخر في أفغانستان، وكان سيفوز بها في كافة الأحوال. (إذن لِم كان يجب عليه أن يسرقها؟ ليس ذلك مهمّا).

تعكس السطور السابقة حجج الواقعيين خلال الحرب الباردة في ما يتعلق بأسباب مساندتنا لعدد من الطغاة. فما كان مهمّا بالنسبة إلى بلدانهم لم يكن مهمّا بالنسبة إلينا، ذلك ما يقولونه. فما كان يهم هو إلى أي معسكر ينحازون في صراعنا ضد الشيوعية السوفياتية.

وقد اتخذ فريق بوش مقاربة أقرب إلى «الواقعية الجديدة» في التعامل مع الوضع الأفغاني، فلم تكن لديه أي رغبة في بناء الدولة هناك. فبعد تنصيب كرزاي تجاهل الرئيس بوش فساد كرزاي ورفاقه. فكل ما كان يريده فريق بوش هو أن يلم كرزاي شمل البلاد حتى تتمكن الولايات المتحدة من أن تتعامل معها باعتبارها قاعدة تطارد عبرها تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان.

وبصراحة، فإن ذلك التوجه البسيط كان يبدو منطقيا بالنسبة إلي لأنني لم أكن أنظر إلى أفغانستان باعتبارها دولة مهمة. ولكن، لسوء الحظ، فإن حكومة كرزاي أصبحت فاسدة للغاية وغير قادرة على توفير الخدمات، مما دفع الكثير من الأفغان إلى العودة إلى حركة طالبان. ومن ثم جاء فريق أوباما باستراتيجية جديدة: فيجب علينا أن نهزم طالبان في أفغانستان، إذا كنا نعتزم الاستمرار في كبح جماح تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان، والطريقة الوحيدة كي نفعل ذلك هي أن نخلي المدن منهم، ثم ننشر بها رجال الشرطة الأفغانية والقضاة والمسؤولين الصالحين، أي أن نلجأ إلى الحوكمة الرشيدة.

مما يعني أن رؤية أوباما تعتمد على أن «المثالية» يمكن أن تصبح، على نحو ما، هي «الواقعية الجديدة» في أفغانستان. فلكي نحمي مصالحنا المباشرة ولتحقيق حتى أهدافنا المحدودة مثل القضاء على تنظيم القاعدة وحلفائه، يجب علينا أن نفعل شيئا يبدو مثاليا للغاية، أي الحرص على إرساء حوكمة أفضل في أفغانستان.

وما زلت أتمنى لو أننا قد لجأنا إلى حل آخر لا علاقة له بالغزو، فما زلت متشككا في الأمر برمته. ولكنني أتفهم منطق استراتيجية أوباما، الذي كان أوباما وفقا له محقا في توبيخ كرزاي علانية. فإذا كانت الحوكمة الرشيدة هي مفتاح استراتيجيتنا، فمن الضروري أن يرى الأفغان ويعلموا ما هو موقفنا من هذه القضايا. وإلا فكيف سيستمدون الشجاعة اللازمة للدفاع عن حوكمة أفضل؟ فيجب علينا أن نمد يد العون إلى المجتمع بأسره، وأن لا ننسى أن حكومة كرزاي الفاسدة هي السبب الذي جعلنا نحتاج إلى إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، فكرزاي هو السبب والمستفيد في نفس الوقت من إرسال المزيد من الجنود. وعلى الرغم من أنني متأكد من أن إرسال المزيد من الجنود سوف يساعد على هزيمة «الأشرار» فإنه إذا لم يكن «الأخيار» أفضل فسيصبح كل ذلك بلا معنى. ففي الحرب الباردة كان كل ما يهم هو إذا ما كانت الدولة في صفنا أم لا. ولكن ما يهم في حرب أوباما في أفغانستان هو إذا ما كان الأفغان متحالفين مع حكوماتهم وبعضهم مع بعض أم لا. وعندما يتحقق ذلك يصبح باستطاعتنا أن نخرج مخلفين وراءنا شيئا مستقرا وطيبا وناجحا.

وبخلاف أفغانستان فإن الحرب في العراق كانت تحركها مقاربة مثالية وليست واقعية، فقد تم شن هذه الحرب باعتبارها حربا في مواجهة أسلحة الدمار الشامل، ولكنها في حقيقتها كانت تجربة نادرة في النشر الثوري للقوة الأميركية. فقد كان الهدف المباشر هو خلع نظام صدام حسين الدكتاتوري الذي يرتكب المذابح. ولكن الهدف الأكبر كان مساعدة العراقيين على خلق نموذج ديمقراطي يمكنه نشر الإصلاح في كافة أنحاء العالم العربي المسلم، وإعطاء الشباب الأمل في مستقبل أفضل. ومرة أخرى فإن المسألة العراقية لم تنتهِ بعد، ولكننا يجب أن نعرب عن ترحيبنا بالانتخابات الأخيرة هناك والدرجة التي عبر بها العراقيون عن تفضيلهم للأحزاب الحديثة متعددة الأعراق.

إذن وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما جاء إلى منصبه وهو ينظر إلى كل من العراق وأفغانستان باعتبارهما مناطق يجب أن يبذل فيها المزيد من الجهد لحماية مصالحنا أكثر من الترويج لمنظومتنا القيمية، فإنه وجد نفسه، وهو الآن في السلطة، يروج إلى مقاربة أكثر مثالية في كلتيهما. بالطبع سيصبح العالم مكانا أفضل إذا ما نجحت تلك المقاربات، ولكن الأمر يتطلب الحذر الدائم، فعندما يحاول كرزاي أن يقضي على اللجنة الانتخابية المستقلة، يجب أن يهمنا الأمر. وعندما يرفض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبول نتائج الانتخابات التي أقرتها الأمم المتحدة التي وضعته بالأساس في منصبه، فإن ذلك يهمنا.

ولكن وكما قلت من قبل، فإن الأصدقاء لا يجب عليهم السماح لأصدقائهم بأن يقودوا سياراتهم وهم سكارى، خصوصا عندما نكون ما زلنا في المقعد الخلفي ومعنا طفل اسمه «الديمقراطية».

*خدمة «نيويورك تايمز»