استقلال العم طوم

TT

أتمنى للصحافيين الصغار أن يتسنى لهم التعرف إلى الناس الكبار. ثم يدركوا أهمية ذلك منذ البداية، لا أن يزين لهم شبابهم وغرورهم، وهما أسوأ خليط للجهل، أنها مسألة عابرة لا قيمة لها، وأن المستقبل مليء بما هو أهم.

هؤلاء الناس يتحولون، عندما تكبرون، إلى ثروة أدبية ومهنية لا تقدر. وسوف تفاخرون عندما تذكرون أنكم ذات يوم، وأنتم صحافيون صغار، تعرفتم إلى رجال سوف يصبحون من صناع التاريخ. وإياكم أن تشيروا إليهم يومها بـ«الصديق فلان»، فأنتم لستم أصدقاء لهؤلاء السادة الكبار، أنتم أغرار سمحت لكم مهنتكم بلقاء هؤلاء التاريخيين. ولو لم تكن خلفكم صحيفة لما تسنت لكم رؤيتهم إلا في حلم ليلة صيف. حتى عندما تكبرون ويصير لكم شأن ما، مستحق أو مصادفة، حاذروا الألفة الكاذبة مع هؤلاء السادة. تذكروا دائما ما لهم في التاريخ وما ليس لكم.

مناسبة هذا الكلام؟ أقرأ كتاب «الجسر» لدفيد رمنيك، الذي لعله أشمل سيرة حتى الآن عن باراك أوباما. منه عرف والده، باراك حسين أوباما، «الذي انتقل من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين في قفزة واحدة، من راعي ماعز إلى دكتور في الاقتصاد من هارفارد»، قيض له ذلك بسب كيني عظيم يدعى طوم مبويا، أدرك أن الانتصار الأكبر على الاستعمار البريطاني، لن يكون إلا بالعلم. هكذا جاء إلى أميركا لستة أسابيع وكان يلقي ستة خطب كل يوم، طالبا إعطاء المنح الدراسية إلى شعبه. جمع 6 آلاف منحة، كانت إحداها من حظ طالب مجتهد يدعى باراك حسين أوباما، من قبيلة «لوو» الصغيرة.

عندما أقرأ ذلك أتذكر كم كان لي من الحظ، عام 1964، في الثالثة والعشرين من العمر، في احتفالات استقلال كينيا، أن أجلس خلف طوم مبويا وأن أحادثه. هل كنت أعرف، أو أدرك، أن المصادفة تجمعني «بسبب مهنتي» بأحد صناع تاريخ الحريات في التاريخ؟ لا. كنت أفكر في موعد السهرة ذلك المساء. لكنني مع الوقت رحت أدرك كم كان طوم مبويا عظيما وكم كنت بلا أي حاسة تاريخية. أو فكرية. ومع سيرة أوباما، أدرك أكثر كم كنت جاهلا، عندما ربت على كتف ذلك الرجل الجالس إمامي، وتحدثت إليه. وإذا التفت إلى الوراء بتواضع وعظمة، لم أكن أعرف أنه سوف يكون بإمكاني أن أكتب ذات يوم، أنني تعرفت إلى طوم مبويا.