جنون أميركي اسمه الفرعوني الذهبي!

TT

عندما ذهبت الشهر الماضي إلى مدينة سان فرانسيسكو لإلقاء محاضرة عن اكتشافاتي، أو كما أطلقت عليها الصحف الأميركية هناك «مغامراتي في عالم الآثار».. وبمجرد وصولي إلى المطار كان في انتظاري السيدة جاكلين المسؤولة عن تنظيم المحاضرة، وكنت في شغف لمعرفة عدد الحاضرين للمحاضرة، ولكني في ذات الوقت كنت متخوفا من السؤال لكي لا أُصدم، ولكني وجدت السيدة جاكلين تخبرني أن تذاكر المحاضرة قد بيعت بالكامل، وأنها سوف تكون بقاعة مبنى الأوبرا بالمدينة، وهي أكبر قاعة في سان فرانسيسكو وبها 2700 كرسي. وكنت سعيدا لأن الحديث أمام هذا العدد الكبير من الناس له مذاق آخر، ويكفي أن تشعر بمدى حب الناس للحضارة المصرية القديمة.

ولقد كان لسان فرانسيسكو الحظ في استضافة معرض آثار «توت عنخ آمون»، الذي سافر إلى أميركا عام 1970، وكان من المقرر عرضه في أربع مدن شهيرة، هي واشنطن ونيويورك وشيكاغو ولوس أنجليس.. ولكن حدث أن جاء إلى مصر الثري الشهير الذي يُعرف باسم آي ماجنين، وهو من أغنى أغنياء مدينة سان فرانسيسكو ويملك كل محلات ملابس النساء في المدينة، وكان معه ابنته إيلين وزوجها بول نيومان، وكنت في ذلك الوقت أعمل مفتشا لآثار الهرم، وأعيش داخل استراحة جميلة. وقد أرسلهم إليّ صديق من العاملين بمعهد استانفورد المجاور لمدينة سان فرانسيسكو، وقد تحدثوا معي أنهم هنا لمحاولة الحصول على تصريح وإذن بأن تكون المرحلة الأخيرة لمعرض الفرعون الذهبي بمدينة سان فرانسيسكو، وكان حظهم كبيرا لأنني كنت أعرف الرجل العظيم فؤاد العرابي، الذي كان يشرف على الآثار في ذلك الوقت، واستطاعوا أن يحصلوا على موافقة الحكومة المصرية على عرض 55 قطعة نادرة للملك «توت» منها القناع الذهبي وكرسي العرش والمقاصير الذهبية... وللأسف الشديد فإن هذا المعرض لم يدرّ على مصر أي عائد مادي إطلاقا سوى بعض الدخل الضئيل من المشتريات التي تُباع على هامش المعرض، ولم ترسل إلى مصر بل أُرسلَت إلى هيئة اليونسكو!

ولقد زار هذا المعرضَ ملايين من الشعب الأميركي، ولا يزال كل شخص زار المعرض يتذكر طوابير الانتظار الطويلة التي كانوا يقفون بها لساعات أمام المعرض للحصول على تذكرة دخول.. وكثيرا ما حدثت حالات طلاق وزواج وحب بين الواقفين المنتظرين.

أما الحدث الثاني المهم فكان زيارة «توت عنخ آمون» لمدينة سان فرانسيسكو مرة أخرى، ليظل بالمدينة لمدة ثمانية شهور تنتهي في شهر أبريل (نيسان) القادم. ومن الغريب أن يُعرض المعرض داخل متحف «دي يانغ» للفن، الذي عُرض فيه «توت عنخ آمون» من قبل، والذي أسسه آي ماجنين الذي توُفّي منذ سنوات، ولكن ابنته وزوجها ما زالا يعيشان بالمدينة.

وعلى الرغم من أن هذا المعرض لن يضم قطعا فريدة مثل القناع الذهبي وكرسي العرش، فإن مصر سوف تحصل على نحو عشرة ملايين دولار من هذه المدينة، ولو أرسلت القناع الذهبي لكنا حصلنا على 30 مليون دولار، ولكنّ هناك عهدا وميثاقا بعدم سفر القطع الأثرية الفريدة.

لقد ألقيت محاضرتي بدار الأوبرا، وهناك الآلاف الذين زاروا معرض الفرعون الذهبي الصغير «توت عنخ آمون»، الذي ما زال العالم يتحدث عنه إلى الآن بعد أن عثرنا على مومياء أبيه الملك «إخناتون»، ومومياء جدته الملكة «تي»، ومومياء أمه التي لا نعرف اسمها إلى الآن. ورغم ذلك وجدت الحاضرين في حزن وأنا أخبرهم أن الملك الصغير كان يحيا مريضا ومات من الملاريا الشديدة!

www.zahihawass.com