إذا انسحبت إيران من «اتفاقية فيينا» تضرب إسرائيل ضربتها!

TT

لا يعرف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد طعم الراحة، دائما غاضب ودائما يهدد، يلاحق وكأنه مُلاحق. لم يتوقف حتى الآن عن زج الإصلاحيين في السجن. وعندما وافق البرلمان الإيراني مؤخرا، في جلسة سرية على طلبات الحكومة لإيرادات إضافية لها من مخصصات خفض الدعم (انكشف الوضع الصعب الذي تعيشه حكومة أحمدي نجاد) شن الرئيس الإيراني هجوما على النواب واتهمهم بـ«مجانين اقتصاد»، (وهذا يكشف مفهوم الرئيس نفسه). رد عيه أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية في المجلس غلام رضا مصباحي مقدم قائلا: «أنا كنت أستاذا لوزرائك ومستشاريك». لكن البرنامج النووي الإيراني يبقى الشغل الشاغل. صار أحمدي نجاد يستعمل هذا البرنامج لتمرير كل طغيانه في الداخل، وفي الوقت نفسه يحاول كسب تعاطف الداخل الإيراني معه لمواجهة العالم. فهو في كلمته أمام المؤتمر النووي الذي دعت إليه طهران، على أساس أنها تقف ندا لند مع الولايات المتحدة، ادعى أن «بلطجية» العالم يريدون منع إيران من الحصول على المعرفة النووية التي تريدها فقط لأهداف سلمية!

حتى الآن لا تنتج إيران وقودا، لا تستطيع. إنها تنتج اليورانيوم المخصب لاستخدامه ربما للأغراض العسكرية. لأنه عندما يقال اليورانيوم المنخفض التخصيب يكون قياسه من واحد إلى تسعة عشر، وعندما يصل إلى العشرين يصبح اليورانيوم العالي وعندما يصل إلى العشرين يمكن أن يرتفع أكثر.

يقول الدكتور سامي الفرج مدير المركز الكويتي للدراسات الاستراتيجية: «حتى الآن إيران غير قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصب». إيران، إذا ما اقتحمت خط العشرين في التخصيب، فهذا يعني أنه بمزيد من الجهد قد تصل إلى ما فوق، وكل ما هو فوق العشرين يتجاوز الاستخدامات الطبية، وينطلق في مسار التسلح النووي. يوضح الدكتور الفرج: «إيران تقول إنها قادرة على الوصول إلى العشرين، لكن حتى الآن لا تزال تتكلم عن اتفاقيات التبادل عبر الأراضي التركية (أوقفتها إيران اليوم) لتخصيب اليورانيوم من 3 أو 5 % في روسيا أو فرنسا، ويعاد إلى إيران لاستخدامه في الأغراض الطبية». ويؤكد «أن لا دليل اليوم يثبت أن إيران قادرة على التخصيب». يُستنتج من هذا، أن إيران ليست نووية حتى الآن، تشكل خطرا. المشكلة أنها دخلت مرحلة من الغموض لا يمكن التوقع عما ستقوم به. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يطل يوميا ليهدد العالم، قد يكون القصد من التهديدات الاستخدام المحلي، لكن في الوقت نفسه يهدف إلى إشاعة الخوف لدى المجتمع الدولي، من أن إيران انطلقت نوويا وليس من مجال حتى تتوقف.

يقول الدكتور الفرج: «ما يدعيه أحمدي نجاد غير حقيقي، لكن إيران تريد أن يقتنع العالم بطروحاتها. وما يقلق العالم كمية اليورانيوم التي تعمل إيران على تخصيبها، لأنها تزيد عن حاجاتها».

يضيف شارحا: «عندما تتكلم مع شخص يعمل على إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، فإن رقم 3 آلاف طرد مركزي لا يعني له شيئا، ولكن عندما تريد إنتاج 3 آلاف طرد مركزي تستنتج فورا، أنه خلال عام تستطيع إيران إنتاج وقود عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية واحدة».

أقامت إيران مفاعل طرد مركزيا في ناتانز يقوم على تكنولوجيا الغاز، وهذه تكنولوجيا مزدوجة الغرض، ومفاعل آراك للمياه الثقيلة وهذا يؤدي إلى إنتاج البلوتونيوم، وهذا منتج عسكري. وحتى الآن لم تنتج الطاقة الكهربائية، ولم تبن محطة كهربائية ومع ذلك، كما يقول الدكتور الفرج، فإنها مستمرة في التخصيب بكميات هائلة بما يزيد عن حاجتها للطاقة الكهربائية، يضاف إلى ذلك، أن إيران تبيع إلى الدول الآسيوية (جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق) الكهرباء».

يبدو أن إيران متجهة ببرنامجها النووي إلى أهداف مزدوجة. تقول علنا إنه لأغراض مدنية، إنما في الوقت نفسه يتحول لأغراض عسكرية. أمام هذا يطرح المجتمع الدولي مسألة المقاطعة المتشددة. هناك دول تختبئ لمصالحها التجارية بالادعاء أنها لا تريد ضرر الشعب الإيراني. الأميركيون ينتظرون موافقة الصين وروسيا على إصدار قرار دولي بغض النظر عن نوع المقاطعة. كي يتبعوا ذلك بتحالف إرادات غربية لتشديد المقاطعة فعلا.

الرئيس الأميركي باراك أوباما يعتقد أن العزلة الدولية بعد المقاطعة ستدفع النظام الإيراني إلى إعادة التفكير، وأثناء افتتاحه مؤتمر الأمن النووي عبّر عن تخوفه من احتمال وصول سلاح أو رؤوس نووية إلى منظمات إرهابية. يوافق الدكتور الفرج على إمكانية وقوع هذا الخطر، ويصور الحالة كالتالي: «مشكلة إيران، حسب اعتقادها، بأنها لا تملك قنبلة نووية تردع إسرائيل أو أي دولة أخرى من الهجوم عليها، لكن لدى إيران مواد شديدة الإشعاع، يطلق عليها (القنبلة القذرة)، وهي تحدث نفس الأثر لو تم تفجيرها في مدينة ذات كثافة سكانية، ولكن، أين يمكن تجربة هذه القنبلة؟ لا يمكن تجربتها في الصحراء، أو في مدينة مأهولة بالسكان، لا بد أن يوفروها لمجموعة إرهابية كي تفجرها في مكان ما، من أجل اختبار تأثيرها. وهكذا يمررون رسالتهم إلى العالم. يقول الدكتور الفرج: «مدينتان في العالم أجرتا تجارب دفاعية تجاه القنبلة القذرة وفشلتا، هما نيويورك ولندن».

بعض المراقبين العسكريين يقولون إن إسرائيل قد لا تنتظر القرار الأميركي، لأنها ترى الخطر النووي الإيراني بمثابة خطر وجودي. وحول هذا هناك سيناريو الصواريخ للقيام بالعمليات الإسرائيلية، وتملك إسرائيل صواريخ «أريحا - 3» وهذه قادرة على عبور 3800 كلم، وتستطيع أن تضرب بكفاءة ودقة، ولديها غواصات «الدولفين» الألمانية التي تحمل معها صواريخ ذات رؤوس نووية، وقد سمحت مصر لأول مرة هذه السنة لغواصات «الدولفين» بعبور قناة السويس.

لكن، هل من الممكن أن تتسبب أي ضربة في تسرب الإشعاع النووي مثلا؟ يقول الدكتور الفرج: «إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، إضافة إلى الحديث عن المستوطنات، كان هدفها استلام إسرائيل ما تعهدت به الولايات المتحدة من تسليمها قنابل أعماق شديدة الانفجار، لكن الرئيس أوباما أصدر أمرا بعدم تسليمها خوفا من أن تبدأ حربا على إيران، وأمر بوضعها في قاعدة دييغو غارسيا».

لكن ما هي الخطوط الحمراء التي إذا تجاوزتها إيران قد تسبب حربا لا محالة:

أولا: إذا تجاوزت إيران مقاس تخصيب اليورانيوم إلى ما فوق العشرين، فإن إسرائيل أعلنت أنها لن تنتظر إذنا من أحد، وستشن هجمات عسكرية على إيران.

ثانيا: أن تقوم روسيا بتسليم إيران صواريخ «إس - 300». ويلاحظ أن أحمدي نجاد كلما هدد إسرائيل بضربها وجه في الوقت نفسه استغاثة إلى موسكو للإسراع في تسليم طهران هذه الصواريخ. فهذه الصواريخ يمكنها أن تعيق عمل الطيران الأميركي أو الإسرائيلي فوق إيران. خبراء الدفاع في الدول الغربية يشككون في قدرة الضربة على توقيف البرنامج النووي الإيراني، فكيف، إذا تمت إعاقة الطائرات المغيرة من قبل صواريخ متقدمة جدا.

ثالثا: أن يقوم الإيرانيون بسيناريو «كوريا الشمالية»، لقد قال الكوريون الشماليون للمجتمع الدولي إنهم يريدون فقط التحكم في التكنولوجيا النووية، مؤكدين أنهم لا يسعون إلى قدرات نووية عسكرية، في وقت كان لديهم برنامج نووي سري. اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية المعروفة باسم «اتفاقية فيينا» فيها بند اسمه: الانسحاب. ذلك أن كل دولة موقعة على الاتفاقية وبناء على مقتضيات أمنها الوطني، تستطيع أن تطلب الانسحاب من الاتفاقية ولكن لا تستطيع أن تقوم بوقف التفتيش ومراقبة المفتشين لمنشآتها لمدة تسعين يوما، بعد هذه المدة تكون حرة. كوريا الشمالية انتظرت تسعين يوما ثم قامت بتفجيرها النووي.

الآن، إذا قامت إيران بطلب الانسحاب، فإن إسرائيل لن تنتظر مدة تسعين يوما، لأن إسرائيل تعتمد على «السيناريو الأسوأ» وهو أن إيران تمتلك فعلا القدرة النووية. ففي اليوم الذي تعلن إيران الانسحاب من الاتفاقية، علينا توقع ضربة عسكرية.