خلق الأزمات من الأمور المفيدة

TT

عندما يدعو ليبراليون إلى فرض ضريبة القيمة المضافة، ينبغي أن تأتي استجابة المحافظين على النحو التالي: فرض ضرائب على الاستهلاك يحمل مزايا، لذا سندرس الأمر.. بعد إلغاء التعديل الـ16 للدستور.

وستتركز الدعاوى المناصرة لضريبة القيمة المضافة على حجة أنها ضرورية لاستعادة التوازن المالي، لكن من دون إنهاء ضريبة الدخل، ستشكل ضريبة القيمة المضافة مجرد أداة رهيبة لإخضاع الأميركيين بدرجة أكبر لسيطرة الحكومة. انطلاقا من قناعتها بأن خلق الأزمات من الأمور المفيدة، عمدت إدارة أوباما - التي على ما يبدو لديها قناعة بأنه كلما زادت الأمور سوءا كان ذلك أفضل من المنظور الليبرالي - إلى دفع المشكلات التي أسرعت من وتيرتها فترة «الركود الكبير» نحو مزيد من التفاقم. خلال فترة الانحسار الاقتصادي، انخفضت العائدات الفيدرالية بدرجة بالغة، في الوقت الذي ارتفعت الإنفاقات بحدة. وكما سيحدث يوميا على مدار عقدين، مع صباح كل يوم جديد ينضم 10.000 جدد من أجيال الزيادة السكانية الكبيرة (1946 - 1964) إلى صفوف مستحقي التمتع بخدمات «ميديكير» و«الضمان الاجتماعي»، وهما برنامجان يضمان خصومات غير ممولة بقيمة 107 تريليونات دولار تقريبا.

في هذا الإطار من المشكلات المتراكمة، تمثلت الأولوية الكبرى أمام الإدارة في وضع أعباء جديدة متعلقة بالرعاية الصحية على عاتق نظام دولة الرفاه المثقل بالفعل بالأعباء، لماذا؟ لأن اندفاع الليبراليين الشديد باتجاه الوصول بنمو الحكومة إلى أقصى حد ممكن يعتمد على خلق أزمة بسرعة يمكن وصفها بأنها خطر يتهدد قائمة المستحقات وللعملة كمخزن للقيمة. وبعد ذلك، يمكن دفع الرأي العام المذعور نحو قبول إضافة ضريبة القيمة المضافة إلى القائمة الحالية للضرائب.

يجري جمع قيمة الضريبة المضافة على قيمة جرت إضافتها على مراحل خلال عملية الإنتاج، لكن الجزء الأكبر من عبئها يحمله المستهلكون. إنهم لا يتقدمون ببيانات عن عائدات القيمة المضافة. وعليه، فإن هذه الخلسة التي تتسم بهذه الضريبة هي تحديدا ما يبهج الطبقة السياسية، التي يمكنها زيادة هذه الضريبة على نحو تدريجي صغير لا يكاد يلحظه أحد، مع تحقيق كل زيادة بنسبة 1% فقط 100 مليار دولار أخرى.

رغم أن رفاه الأمة غالبا ما تتنوع بالعكس مع رفاه الطبقة السياسية، فإن ضريبة القيمة المضافة من شأنها تحسين الوضع في ما يخص مشكلة حقيقية: أن استهلاك الأميركيين كبير على نحو مفرط، وادخارهم ضئيل على نحو مفرط أيضا. علاوة على ذلك فإن قانون الضرائب الغريب الراهن يخلق تشوهات اقتصادية ويسمح بالفساد.

في الواقع، لا تسدد الشركات ضرائب، وإنما تجمعها، حيث تمرر عبء الضرائب إلى المستهلكين كجزء من تكلفة الإنتاج. كما أن نظام الضرائب المفروضة على الشركات يضم الكثير من الاعتمادات والإعفاءات وصور الدعم الأخرى الممنوحة للشركات من قِبل الطبقة السياسية إلى الشركات التي توليها هذه الطبقة معاملة تمييزية. ولأن ضريبة الدخل لا تعتمد على أساس واسع، فإنها تنطوي على خطر أخلاقي: أنها تشكل حافزا للسلوك المنحرف. يقدم أعلى 1% من أصحاب الدخول 40% من الإيصالات الخاصة بالضريبة، ويوفر أعلى 5% منهم 61% من الإيصالات، أما الـ50% الأدنى فيوفرون 3%. وعليه، تسهم هذه الضريبة في جعل أغلبية كبيرة راضية إزاء نمو حجم الحكومة.

على نحو متزايد، أصبحت هذه الضريبة بمثابة تقنين للحقد والغيرة، حيث تعد ضريبة القيمة المضافة الملاذ الذي تلجأ إليه الطبقة السياسية عندما تصبح موارد الأقلية المستهدفة من قِبل الحاقدين غير كافية لتمويل الحكومة النهمة. ولأن فرض ضريبة القيمة المضافة من شأنه تدمير الوعود التي أطلقها أوباما بعدم إقرار أي زيادة في الضرائب على الأسر التي تقل دخولها عن 250.000 دولار سنويا، فلا بد أنه يأمل في أن توفر لجنة تقليص العجز التي شكلها غطاءً لهذا الحنث. إلا أنه من الضروري موافقة 14 من بين أعضاء اللجنة الـ18 على أي توصيات. وعلى أوباما أن يأمل في التمتع بحظ وافر يمكّنه من الفوز لصالح ضريبة القيمة المضافة بين أعضاء اللجنة الجمهوريين الستة: جود غريغ وتوم كوبورن ومايكل كرابو أعضاء مجلس الشيوخ، وبول ريان وديف كامب وجيب هنسارلينغ من مجلس النواب. وانتظروا حتى نسمع آراء أكثر أعضاء الطبقة السياسية سنا، فعندما عملوا كانوا يدفعون ضرائب على دخولهم، لكن بعد تقاعدهم سيمقتون ذلك لكراهيتهم تسديد ضرائب في وقت ينفقون من مدخراتهم.

ولأن ضريبة القيمة المضافة تشمل تقريبا كل شيء، فإنها ستعج بالإعفاءات. وتوفر هذه الضريبة للطبقة السياسية أكبر مساحة ممكنة لممارسة التمييز والمحاباة، مثل إعفاء سلع «خضراء» معينة. كما تسهم هذه الضريبة في تعزيز شعور هذه الطبقة بالرئاسة والتحكم. على سبيل المثال، كما هي الحال مع المطار، تسقط ضريبة القيمة المضافة على عاتق الأثرياء والفقراء على حد سواء، لكن الفقراء يخصصون نسبة أكبر من دخولهم للاستهلاك - لكن الطبقة السياسية توفر إعفاءات لمعظم السلع الغذائية ما عدا تلك التي ترفضها الدولة «الأم»، مثل المشروبات الغازية. إن المال مرتبط بالوقت. وتعد مسألة فرض الضرائب أشبه بمصادرة لوقت الجاني للمال. رغم أن فرض بعض الضرائب يبقى أمرا ضروريا، فإن جميع الضرائب تقلص الحرية. ومن شأن إقرار ضريبة قيمة مضافة من دون خفض ضريبة الدخل فرض مزيد من التقليص لحرية الأميركيين عما فعله قانون الرعاية الصحية. ولأنه لن يتم إلغاء التعديل الـ16، فإن فرض ضريبة قيمة مضافة سيجعل من المستحيل إجراء تقليص جاد في النفقات، وبالتالي سيقضي على رؤية الآباء المؤسسين حول خلق حكومة محدودة.

* خدمة «واشنطن بوست»