تركيا و«دول الجوار العربي»

TT

الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي تعرض لانتقادات شعبية وإعلامية بسبب عدم مغادرته منصة دافوس عام 2009 تضامنا مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال سجاله الإعلامي مع شيمعون بيريس، فاجأ الجميع في قمة سرت العربية بخطوته الداعية لإقامة تكتل جوار عربي منفتح على كثير من الدول الإسلامية والأفريقية.

لا، بل إن موسى نفسه لم يتوقف عند طرح الفكرة، بل سارع إلى تقديم تصوره حول الدول الممكن دعوتها إلى جانب الدول العربية وأن تكون تركيا في طليعتها، وأن يتمهل أصحاب الاقتراح في دعوة إيران حتى تتضح سياساتها ونواياها في التعامل مع أكثر من ملف يعني العالم العربي، وأن يتم تجاهل إسرائيل بالكامل كونها دولة تعتبر نفسها فوق القانون على أن يظل مقعدها شاغرا حتى «تنفذ الالتزامات والتعهدات كافة وتقبل بعملية السلام وتتخلى عن سياسة التحدي والاستفزاز». لا خلاف على أن المشروع كفكرة وبادرة إقليمية تستحق التعامل معها بإيجابية وانفتاح ما دام أن مصدرها شخصية سياسية ودبلوماسية بوزن الأمين العام لجامعة الدول العربية أمضى عشرات السنين في خدمة القضايا العربية والإسلامية وهو يريد مغادرة منصبه هذا، كما فهمنا، واضعا أمام الدول العربية بالدرجة الأولى ملفا إقليميا تكتليا من هذا النوع قد يساعدها على استرداد كثير من الفرص والحملات التي تعيدها إلى قلب المعادلات وتحملها إلى المكانة الإقليمية والدولية التي تليق بها عبر قفزة استراتيجية من هذا النوع.

مبادرة الأمين العام للجامعة العربية تشكل حافزا للدول العربية وقياداتها لإطلاق خطة تعاون جماعي بصورة أكثر انفتاحية وشمولية وواقعية. وهي أيضا فرصة لإلزام إسرائيل والقوى العالمية التي تدعمها وتصر على عدم التخلي عنها كدولة حليفة على الرغم من كل سياساتها وطروحاتها الخاطئة التي تزيد من عدد بؤر التوتر والأزمات في الشرق الأوسط، بمراجعة حساباتها وسياساتها ومواقفها.

رجب طيب أردوغان تلقف المبادرة بسرعة البرق في سرت وتمسك بها مرحبا، انطلاقا من موقع أن «تاريخنا وقيمنا تفرض علينا قبول وتأييد مثل هذه المشروعات، وتركيا جاهزة للتنسيق مع جامعة الدول العربية في كل خطوة تهدف إلى تعزيز التقارب والتعاون لحل أزمات ومشكلات المنطقة». وأنقرة قد تكون المستفيد الأول من مثل هذه البادرة التي أطلقها موسى، فكثير من الطرق تتقاطع عبر أراضيها في هذه الآونة ضمن سياسة إقليمية منفتحة حدد معالمها «الخوجا» قبل 7 سنوات. لكننا لا نعرف ما الذي دفع برئيس الوزراء التركي أردوغان للإسراع في الترحيب ببادرة موسى من دون انتظار ما ستقوله الدول العربية المعني الأول، التي ستكون صاحبة الفكرة ومركز الثقل فيها، كما يقول الأمين العام للجامعة.

هل سترضى تركيا حقا بإبعاد إسرائيل وإيران عن المشروع بمثل هذه السهولة؟ ألن يتعارض ذلك مع سياساتها ومواقفها وتطلعاتها الإقليمية؟ كيف سينعكس مثل هذا التكتل على العلاقات التركية –الإسرائيلية، والتركية - الإيرانية في المرحلة التي تعقب ولادته؟ هل سيقبل حلفاء أو شركاء تركيا في الغرب مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أن تلتحق أنقرة بمشروع تستبعد إسرائيل عنه كونها دولة «تهدد السلم الإقليمي» كما يقول أردوغان نفسه؟ هل حقا أنقرة جاهزة اليوم للانضمام إلى تكتل تتعارض مصالحه وحساباته مع مصالح إسرائيل وحساباتها الإقليمية؟ وهل هي مستعدة لدفع ثمن موقفها الاستراتيجي الجديد هذا في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تحديدا؟

دون أن نخفي استفسارات أخرى يتقدمها تقديم إجابات حول تساؤلات؛ أولها: هل مشروع من هذا النوع يندرج حقا ضمن المواثيق والمعاهدات العربية الموقعة بين عامي 1944 و1945 في الإسكندرية والقاهرة؟

هل هو مشروع سياسي استراتيجي متمم لأفكار وطروحات الجامعة ومنظمة المؤتمر الإسلامي أم سيكون مشروعا بديلا يتحرك بمعزل عن هذين التكتلين ونيابة عنهما؟

كيف ستتم تحضيرات صياغة الأهداف، والبنية، وطريقة العمل، وهيكلية المشروع التنظيمية، ومراكزه، وخطط تمويله؟

*كاتب وأكاديمي تركي