لمن تقرع طبول الحرب؟

TT

إسرائيل تهدد، بلسان أحد أبرز وزرائها، بإعادة سورية «إلى العصر الحجري» ومحو كل جزء من بنيتها التحتية من الوجود في حال أطلق حزب الله صواريخ بالستية على أراضيها. والحجة أن إسرائيل تعتبر حزب الله «فرقة من الجيش السوري»، فيما يتوعد رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، بتدمير إيران و«أذرعها العربية».

حزب الله، الذي يتميز عن كل الأحزاب الأخرى بأنه أصبح لاعبا رئيسيا في قرار الحرب والسلم في الشرق الأوسط، يستعير منطق «الإبهام» الإسرائيلي المتعمد في الحديث عن الترسانة النووية ليعلن بلسان أحد أعضاء كتلته البرلمانية أنه، هو أيضا، لا يؤكد ولا ينفي، امتلاكه لصواريخ بالستية.

إيران، بلسان رئيسها محمود أحمدي نجاد، «تأمر» القوات الأميركية بمغادرة الشرق الأوسط.. لأن قوة الجيش الإيراني كافية «لتوفير الأمن والتوازن في المنطقة» - دون أن يوضح «أمن» مَن ولا «التوازن» مع من.

أما الولايات المتحدة فلا تنكر، بلسان رئيس هيئة الأركان المشتركة، مايك مولن، أن احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران لا يزال واردا. والسبب أنه سيكون لها «أثر كبير» في تأخير برنامجها النووي.. رغم أنها الخيار الأخير «في الوقت الراهن»، حسب قوله.

وحدها سورية تلتزم ضبط النفس فتنفي تزويد حزب الله بالصواريخ وتصف، بلسان وزير خارجيتها وليد المعلم، الضجة المثارة حولها «بالمفتعلة» وأن غايتها «التهيئة لعدوان إسرائيلي للهروب إلى الأمام».

طبول الحرب ليست غريبة عن أسماع أبناء الشرق الأوسط. ولكن لمن - وليس لماذا - تقرع اليوم بهذه الضوضاء؟

أهي مباراة في دبلوماسية التهويل أم إن سباق الهيمنة على المنطقة بلغ فعلا مرحلة الصدام المباشر بين المتنافسين الرئيسيين؟

من الصعب الاعتقاد، بعد تجربة عام 2006، أن إسرائيل ما زالت تعتبر الحروب مع جيرانها مجرد نزهة عسكرية. ومن الصعب التصور أيضا أن أي حرب جديدة تشنها على لبنان أو سورية سوف تقتصر على ساحة معركتها فقط، فشمولية التهديدات الإسرائيلية توحي، في حد ذاتها، بأن أي حرب مقبلة ستكون حربا إقليمية لا يستبعد أن تتعامل معها القوات الأميركية - «الإقليمية» بحكم وجودها في العراق - بشكل مباشر أو غير مباشر.

ربما كانت هذه الحسابات السياسية والاستراتيجية مبرر الغياب العربي اللافت عن دبلوماسية التهويل في المنطقة، وقد تفسر أيضا وصف وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، للأزمة الراهنة «بالمفتعلة». إلا أن الاعتبار الأبرز الذي يعزز هذا الوصف يعود إلى كون نافخي نيرانها الرئيسيين، أي إيران وإسرائيل، ليسا، وحدهما، وليّا أمر المنطقة مهما رفعا من وتيرة تهديداتهما.

وهنا بيت القصيد.. فولي أمر المنطقة الفعلي، البيت الأبيض تحديدا، ما زال يرجح دبلوماسية الضغوط الاقتصادية والتجارية على غيرها من الخيارات في تعاطيه مع ملف إيران النووي - الأمر الذي لا يحظى برضا حكومة الليكود.

وولي أمر المنطقة ما زال يعتبر أن الأزمة الأم في الشرق الأوسط هي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، الأمر الذي لا يحظى، هو أيضا، برضا حكومة الليكود.

تباين أولويات البيت الأميركي مع أولويات حكومة تل أبيب قد يكون وراء التصعيد الحاد في تهديدات إسرائيل الأخيرة لسورية وحزب الله، فهذا التصعيد لا يتوخى «تخويف» سورية بقدر ما يسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى موقف معاد لدمشق من شأنه أن يضع دعوة واشنطن لاستئناف عملية التفاوض الإسرائيلية - الفلسطينية على نار خفيفة، إن لم تكن باردة، في الوقت الحاضر على الأقل.

باختصار، طبول حرب الشرق الأوسط تقرع الآذان الأميركية قبل غيرها، إن لم يكن لها وحدها.. فهل من مجيب؟

ملاحظة جريئة أعطاها وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك للإذاعة الإسرائيلية قد تكون أكثر تعبيرا عن الموقف الأميركي من كل ما تتوقعه طبول الحرب منها. باراك أبلغ الإسرائيليين بأن «العالم لم يعد مستعدا لقبول استمرار إسرائيل في حكم شعب آخر لعقود مقبلة - ولن نغير ذلك عام 2010 - إنه أمر لا مثيل له في أي مكان آخر في العالم».

قديما كانت النصيحة بجمل.