دلالات قمة المنامة.. ووضوح الرؤية الاستراتيجية للقادة

TT

جسدت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية لمملكة البحرين مدى متانة العلاقات السعودية - البحرينية الوثيقة، التي تأسست منذ زمن قديم على قاعدة صلبة في سنوات تاريخية، لأنها من أقوى العلاقات بين بلدين شقيقين، وتمثل نموذجا يُحتذى به. ومن المؤكد أن قمة المنامة بين العاهل السعودي والملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، تمثل بكل دلالاتها ومعانيها محطة تاريخية في العلاقات بين البلدين، لما عكسته من وضوح الرؤية الاستراتيجية لزعيمين عربيين كبيرين. فزيارة خادم الحرمين الشريفين لمملكة البحرين، إنما هي زيارة لداره وبين أهله، وهي زيارة خير وبركة تقوم على أرضية صلبة من التواصل بالود والمحبة، بين القياديتين والشعبين الشقيقين.. ولا يسعنا سوى القول إن المنطقة الجغرافية التي تربط المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، هي منطقة واحدة بما لها من تاريخ وثقافة ولغة ودين، ولهذا اعتبر شعب البحرين يومي 18 و19 أبريل (نيسان) عيدا جديدا سيضاف إلى أعياده عندما استقبل زعيما خليجيا في مقام خادم الحرمين الشريفين.. فهو القائد العربي صاحب المكانة الكبيرة في قلب كل مواطن بحريني على اعتبار أن المملكة العربية السعودية هي العمق الاستراتيجي والامتداد الجغرافي لمملكة البحرين على مر التاريخ.

وشهدت زيارة خادم الحرمين الشريفين على عمق العلاقات الممتدة عبر التاريخ، التي تأسست على ركائز قوية من التواصل والمحبة بين القيادتين والشعبين.. وزاد من صلابتها ومتانتها اتفاق كلتا القيادتين عبر هذا التاريخ الممتد، على ثوابت ورؤى مشتركة.. مما أسهم في تعزيز هذه العلاقات ولتتسم بالتميز الشديد.. وزاد أيضا من تأصيلها روابط الأخوّة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة المصير والهدف المشترك التي تربط البلدين، بل وتربط كل دول الخليج.

لقد حملت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز ولقاءاته في وطنه البحرين، رؤية قوية وواضحة لتحديات المرحلة الراهنة على الأصعدة الخليجية والعربية والعالمية، فلم يعد خافيا على أحد أن ما تموج به الساحة الدولية والإقليمية من أحداث وتغيرات سوف يؤثر في أوضاعنا الداخلية والخارجية على السواء ما لم نسرع بمواجهتها. وأمامنا قائمة طويلة من قضايانا الاستراتيجية التي يتعلق بعضها بأمننا الخليجي. وفي مواجهة هذه التحديات ليس أمامنا من سبيل سوي أن نعي كثيرا مصالحنا العربية وسبل الحفاظ عليها وتعظيمها‏، من هنا كانت أهمية لقاءات القمة التي جمعت بين الزعيمين العربيين الملك عبد الله بن عبد العزيز وشقيقه الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين.

ويكتب لخادم الحرمين الشريفين والملك حمد بن عيسى بتصرفاتهما الملكية العظيمة، أنهما وببساطتهما المعهودة، وجها معا ملحمة في حب الشعوب وتعريف معنى الإخاء، عندما التحف الملك عبد الله بن عبد العزيز بالعلم البحريني وعرض بالسيف الأجرب مع شقيقه ملك البحرين الذي التحف هو الآخر بالعلم السعودي، ليؤكدا معا على رسالة الوحدة والشراكة الثابتة. ولكَم كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين قوية في دلالتها، حين أكد في كلمته على وحدة شعبَي السعودية والبحرين، وأن ما يصونها هو روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك، وقال مخاطبا ملك البحرين والشعب البحريني: «تأتي زيارتنا هذه لا لتضيف جديدا، بل لتقول للآخر إننا وطن وشعب واحد».

ولم تزل مشاهد تسليم السيف «الأجرب» ماثلة أمام أعيننا، ولا تزال كلمات الملك حمد عالقة في أذهاننا وهو يعلمنا درسا في الإيثار ورد الأمانة عندما أهدى السيف إلى الملك عبد الله ليعود إلى مستقَره بعد أن أمضى في البحرين نحو 140 عاما. وقال الملك حمد في أثناء تقديمه السيف لخادم الحرمين الشريفين: «كان لنا شرف الاحتفاظ به منذ أن أرسله الإمام سعود بن فيصل آل سعود إلى الجد الكبير المغفور له الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وحُفظ كأمانة وظل رمزا للعائلة الواحدة». ثم ليأتي رد الملك عبد الله: «إن سيف الإمام تركي الذي تقدمونه لأخيكم، يعبّر عن مكارم الأخلاق والقيم التي حفظته وصانته وأكرمته عندما حل في وطنه الآخر البحرين» ليكون لنا نموذجا يُحتذى في العزة.

ومراجعة متأنية للقمة السعودية - البحرينية، نلحظ أنها تمثل علامة فارقة نحو التضامن العربي الذي من شأنه أن يعيد العرب إلى وضعهم الطبيعي ليستطيعوا مواجهة ما يتعرضون له من تحديات. كما نستشفّ من البيان الختامي لزيارة العاهل السعودي للمنامة بعض الدلالات المهمة التي تبيّن مدى حرص القادة على جعل منطقة الخليج والشرق الأوسط بأكمله منطقة خالية من الصراعات وبؤر التوتر، ومن هذه الدلالات على سبيل المثال:

نبذ الإرهاب في أشكاله وصوره كافة بغضّ النظر عن دوافعه ومسبباته.. ويدخل في هذا الإرهاب ظاهرة القرصنة الخطيرة ونتائجها الوخيمة على حرية الملاحة الدولية وضرورة معالجتها بجهد دولي منظم وبإشراف الأمم المتحدة، مع رفض أسلوب التفاوض والمساومة مع القراصنة.

المسألة العراقية لم تكن بعيدة عن اهتمامات القائدين العربيين، لما تمثله من أهمية قصوى للأمن الخليجي والعربي، خصوصا مع الدعوة إلى عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية مع استعداد المنامة والرياض للتعاون مع السلطات العراقية في التصدي للإرهاب ومكوناته.

الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية وحل النزاعات بالطرق السلمية، في إشارة إلى أهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة الإيرانية - الغربية، وعلى أن تلتزم إيران بمواصلة الحوار مع المجتمع الدولي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

التأكيد على التآخي والتنسيق والتشاور بين الزعماء العرب.

الوضع العربي الراهن هو في أشد الحاجة إلى التضامن لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية، وهو ما يستدعي التعاون وتقوية العلاقات العربية - العربية.

العمل على خلق أجواء عربية تستفيد من الطاقات العربية لرفع كلمة العرب على الساحتين الإقليمية والدولية.

ضرورة حل القضية الفلسطينية وما استجد في الوطن العربي مثل السودان والصومال.

وإذا كانت الحقيقة تقول إن المرء لا يحقق كل ما يتمناه أو يدركه، فإن لهذه الحقيقة وجها آخر، ويتمثل في أن كل ما يدركه خادم الحرمين الشريفين ينجزه ولو بعد حين.. لأنه من نوعية الزعماء التاريخيين الذين يدركون تماما حجم توقعات الشعوب وما تعكسه طموحاتهم بشكل كبير.. ولذا، فهو القائد والزعيم الذي يعمل على تحقيق هذه الآمال. ولا يجب أن نغفل الإنجازات التي حققها على امتداد الفترة الزمنية القليلة الماضية للشعب السعودي الشقيق، الذي يجني الآن ثمار استراتيجية الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، بكل إفرازاتها الإيجابية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها من المجالات. ليس على المستوي السعودي فقط، لآن تحركات وجهود خادم الحرمين الشريفين من أجل فرض كلمة العرب على المجتمع الدولي ولتجاوز ما نتعرض له نحن العرب من محن، تمثل بارقة أمل للشعوب العربية وخطوة أساسية لمسار يُفترض أن يُستكمل بين الدول العربية حتى ينشأ موقف عربي موحد تشعر به الشعوب التي تتوق إلى مثل هذا التضامن.

ربما لا نجافي الحقيقة، إذا ذكرنا أن أي قمة يكون خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أحد أطرافها، سرعان ما تثمر عن نتائج إيجابية وفورية أيضا. وأتذكر هنا ما حدث في محادثات قمة دمشق في أواخر العام الماضي بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس السوري بشار الأسد التي فتحت صفحة جديدة، لا على مستوي العلاقات السعودية السورية فقط، وإنما كان للعاهل السعودي السبق في هذا المجال، فهو الذي يبدأ دائما بمد أيدي المصالحة. وكان من أهم إفرازات هذه القمة التأكيد على أن غياب الحوار والتعايش يجعل الهوة أوسع ويزيد من الجفوة. وقياسا على هذا، نجم عن قمة دمشق حدث جلل سيتحدث عنه العرب لأجيال وأجيال، ونقصد بشائرها الطيبة على الملف اللبناني، حيث كان لبنان ومستقبله من أهم المستفيدين من عودة العلاقات الطيبة بين الرياض ودمشق. وشهدنا بعد القمة ما تحقق من ولادة حقيقية لعملية تشكيل الحكومة المتعثرة، التي خرجت إلى النور. وكان من الطبيعي أن تثمر الأجواء الإيجابية التي رافقت انعقاد قمة دمشق وما تبعها من نتائج طيبة عن فك كرب اللبنانيين.

ولا ننسى أيضا قمة الكويت الاقتصادية في مارس (آذار) قبل الماضي، التي كانت أيضا خير شاهد على الدور المهم الذي يلعبه خادم الحرمين الشريفين، حينما أعلن ضرورة تجاوز الخلافات حتى تثق الشعوب العربية في قادتها، ولكَم كان صادقا مع النفس وهو يتحدث عن مشكلات عربية بكثير من الوضوح والشفافية، وربما فوجئت الشعوب العربية التي تابعت تلك القمة بهذه اللهجة التي لم تكن تأتي حتى وقتذاك على لسان زعيم عربي.

لقد حملت لقاءات الملك عبد الله بن عبد العزيز والملك حمد بن عيسى آل خليفة من المعاني ما يكفي للاستدلال منها على قوة الجسور التي تربط بين الشعب الواحد لا الشعبين، فنحن شعب واحد تواجهه قضايا مشتركة وهموم واحدة.. وأيضا رؤية متطابقة ومتجانسة، تصبّ في تعزيز التعاون بين البلدين، وتنمية روح الروابط القوية بين البلدين الشقيقين.. إن فرحتنا - نحن شعب البحرين - لا تسعها قلوبنا بقدوم قائد عربي وإسلامي عظيم في مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى بلادنا، فمثل هذه الزيارات التي نستبشر بها خيرا، يكون لها الأثر البالغ والكبير في الإسراع في المشروعات التنموية والاقتصادية على أبناء الشعب الواحد.. فهنيئا لنا شعب البحرين بخادم الحرمين الشريفين الذي حل علينا أخا عزيزا كريما على شقيقه وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله.

وختاما.. فإن خادم الحرمين الشريفين خليفة الفرسان العظماء لآل سعود، لعلى رأس القيادات العربية والإسلامية الذين أسهموا بأفكارهم واستراتيجيّاتهم وقراراتهم في تقديم صورة إيجابية عن العالَمين العربي والإسلامي.

اللهم احفظ خادم الحرمين وملك البحرين وأدِم علينا المحبة وأبعد عنا الفتن وشرها وثبّت قلوبنا على طاعتك خالصة لوجهك الكريم، اللهم احفظ البلدين حكومة وشعبا، من كل سوء ومكروه، وأدِم علينا نعمة الأمن والآمان.. اللهم آمين.

* كاتب ومحلل

سياسي بحريني