إسرائيل.. والكذب المستمر

TT

إسرائيل تعاود من جديد نهجها القديم المستمر. كلما ازدادت رقعة ومساحة الضوء عليها وتركزت الضغوطات بحقها أطلقت «قصة» ودعمتها بالتصريحات، وروجت لها بقوة، وتظاهرت بدور الضعيف والمغلوب على أمره، وهو الدور الذي تمكنت من خلاله من «تسويق» فكرة الصهيونية بجدارة وتحويلها لقصة أسطورية في فوز الضعيف على القوي في أوساط المجتمعات الغربية المصابة أساسا بعقدة نتاج ما قامت به النازية بحق اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية تحديدا. واليوم ها هي إسرائيل تطلق إشاعة توريد سورية لصواريخ «سكود» لمصلحة حزب الله في لبنان، ومن بعدها يطلق بعض المسؤولين العسكريين الموتورين فيها سلسلة من التصريحات المهددة بحق سورية بأنهم «متأكدون من حصول ذلك»، وأنهم سيعيدون سورية للعصر الحجري بعد أن يعتدوا عليها.

وهذا يرجع بنا إلى التاريخ القريب وما قامت به مجموعة عصابة المحافظين الجدد عندما روجوا الأكاذيب بحق العراق ووجود أسلحة دمار شامل فيها، وبالتالي ضرورة غزوها وشن الحرب عليها، وطبعا انكشفت الأكاذيب بعد ذلك، وظهرت أساليب التضليل، وانكشف المتورطون في هذه اللعبة القذرة. واليوم إسرائيل «ترفع» حدة ووتيرة الاتهام بحق سورية وحزب الله «لتبرير» ضربة استباقية بحقها، فهي كلما رفعت درجة الخطر القادم من حزب الله ومن سورية أمام الرأي العام العالمي تمكنت من أن يكون لعدوانها كل التبرير والتفهم. إسرائيل اليوم تواجه مأزقا جديدا عليها. فهي اليوم (وأمام أعداد متزايدة من دول العالم) دولة مارقة ومحتلة وعنصرية ومخالفة للقوانين ومعتدية على الحقوق والمواثيق، والدفاع المستميت عنها لا بد أن يكون مبررا الآن بعد أن فقدت الكثير من الجدارة والمصداقية والاحترام. وهي التي كانت تعمل وباستمرار على «رفع» مستوى القبول الدولي لضربة استباقية بحق إيران وبرنامجها النووي، وإفهام العالم أن البرنامج وأسلحته (وطبعا هذه كذبة إسرائيلية جديدة فإيران وباعتراف أميركا نفسها لم تنتج أسلحة نووية) موجه ضد إسرائيل، وأن إيران تسعى للقضاء على اليهود في محرقة جديدة (وهذه أيضا كذبة جديدة لم يقل به أحد).

لكن اليوم المجتمع الدولي منقسم، ولا يوجد إجماع على ضرب إيران أو الحل العسكري كما يطلق عليه، وبالتالي لن تستطيع إسرائيل الإقدام على هذه الخطوة وحدها دون أن تواجه الغضب الكبير من المجتمع الدولي، وبالتالي زيادة وضعها تأزما وخطورة. وعليه فإن إسرائيل قررت توجيه الضربة التي كانت مقررة بحق إيران إلى حزب الله (وقد يضاف إليه سورية أيضا وإن كان ذلك أقل إمكانية).

«سكود» أسلحة قديمة مداها 700 كيلومتر، لكنها بحاجة لخمس ساعات من الإعداد قبل إطلاقها، ناهيك عن حجمها الضخم جدا على ناقلات هائلة مما يعني أن ذلك من الناحية العملية غير مفيد بالنسبة لنوع من الجيوش كحزب الله، وتنعدم فائدته إذا ما عرف أن حزب الله لديه نوع آخر من الصواريخ بنفس المدى وهو صاروخ «الفاتح» الإيراني وبحجم أقل، ولا يستغرق وقت إعداده وإطلاقه إلا 45 دقيقة فقط. وهذه المعلومات من المؤكد أن المخابرات الإسرائيلية تعرفها، ولكن إطلاق فزاعة «سكود» أمام الرأي العام العالمي أكثر إغراء لأن ذاكرة الناس لا تزال تتذكر صواريخ «سكود» التي أطلقها صدام حسين بحق قوات التحالف خلال حرب عاصفة الصحراء، وأيضا هي نفسها التي أطلقها على إسرائيل. وكانت هذه الصواريخ بالتالي هي «أيقونة الشر» المناسبة، وسيناريو صواريخ «سكود» في لبنان هو محاولة بائسة منها لضرب لبنان مجددا، مدعومة بكذبة دولة بنيت على كذبة حتى تحول الكذب نهجا لها.

[email protected]