مؤامرة البركان الآيسلندي

TT

أوشكت سحابة الرعب البركانية أن تنقشع عن أجواء العالم بالكامل، وبدأت مطارات أوروبا وشركات الطيران في مباشرة نشاطها وتطيير الناس مجددا إلى السماء، بعد نحو أسبوع من موت المطارات الأوروبية.

هل كانت هذه الإجراءات الرهيبة التي شلت النقل الجوي متطرفة؟ على غرار «الهستيريا» التي ضربت العالم بسبب إنفلونزا الخنازير؟

بعض أقطاب صناعة النقل الجوي تذمروا من قسوة الحكومات الأوروبية التي سارعت لشل حركة الطيران في السماء الأوروبية بعد سحابة البركان الآيسلندي، واتهموا سلطات أوروبا بالمبالغة التي تسببت بخسائر فادحة ليس لشركات الطيران فقط (تقدر خسائرها إلى الآن بنحو مليارين ونصف المليار دولار)، بل لسلسلة متشعبة من مصالح مئات آلاف الركاب.

كثيرون اعترضوا على هذه الإجراءات، منهم مسؤول المنظمة الدولية للنقل الجوي (إياتا) الذي قال إن: «قرار إغلاق المجالات الجوية يجب أن يقوم على أساس وقائع وتبرره دراسة المخاطر». أما موقف السلطات المعنية فكان الإصرار على صحة موقفها بإغلاق الأجواء أمام حركة الطيران، ولم تلق بالا لشكوى وأنين شركات الطيران والركاب العالقين، وقدمت أولوية الأمن والسلامة، على كل ما عداها، فالإغلاق جاء بناء على نصائح العلماء المختصين في دراسة هذه الظواهر الطبيعية، والمختصين بسلامة النقل الجوي.

هنا مربط الفرس، فكثيرا ما نتحدث عن سلطة الحكومات الظاهرة والخشنة، ولكن ماذا عن سلطة العلماء ومراكز البحث العلمي؟ فالذي أطلق التحذيرات الدولية حول حمى الخنازير كان العلماء، وهم من أطلق التحذير الرهيب من سحابة البركان الآيسلندي، والآن يتحدث هؤلاء العلماء عن بركان آيسلندي آخر سيثور هذه السنة مخلفا سحابة بركانية أكثر فتكا من هذه السحابة!

تطور العالم من حولنا، ولكنه تعقد في الوقت نفسه، وتعاظمت سلطة العلم.

اتضح بجلاء أن السلطة «الناعمة» هي فوق كل سلطة، ومن قال إن نعومة السلطة سبب لضعف أثرها؟ أليست سلطة النساء الفاتنات تفوق كل سلطة!

لا سلطة الآن فوق سلطة العلماء، في مرحلة بالغة التعقيد بحياة البشرية، في نقلها واتصالاتها وصحتها، تعقيد بنفس درجة الرقي والتسهيلات التي وصلت إليها هذه المجالات.

لا يملك سكان الأرض وحكومات العالم شيئا أمام تحذيرات علماء الطب والبيئة، لا يملكون إلا السمع والطاعة. ومن يكابر قد يخسر كل شيء.

عالم متطور.. نعم، سهل.. نعم، لكنه ينطوي على حكام جدد له، بمقدورهم ساعة يشاءون، أو توصلهم ملاحظاتهم البحثية، أن يقلبوا العالم رأسا على عقب، والأهم أنه لو تبين أنهم بالغوا، لا يمكن محاسبتهم، فهم يجرون خلف حصان العلم، الذي قد يجمح مرة يمينا أو شمالا..

لاحظوا أننا لم نشر نهائيا إلى وجود مؤامرات خفية لشركات الأدوية في قصة حمى الخنازير، ولا وجود مؤامرة، لطرف ما لا ندري عنه حتى الآن، في غلق الأجواء الأوروبية، وذلك لسببين، الأول: أننا لا نملك «أدلة» على ذلك، وثانيا أن هناك من هو أقدر من صيادي المؤامرات العرب على تسليط الضوء بشكل أفضل وأحسن على دهاليز هذه المؤامرات..

ما يهم هنا هو اصطياد هذا التحول العميق والخطير في موازين، وطبيعة، القوة على مستوى العالم.

[email protected]