إعداد مصيدة لإيران

TT

يتمثل هدف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خضم المساعي لصياغة عقوبات جديدة ضد إيران، في المساعدة في بناء مصيدة محكمة، بحيث كلما زاد الإيرانيون من جهودهم للإفلات من قبضة العقوبات، زاد إحكام قبضة هذه المصيدة عليهم.

قطعا هي فكرة ذكية، لكن حتى حال نجاحها بدقة كبيرة، كتلك المصيدة التي تستخدم في صيد الفئران، يبقى من غير المحتمل أن ينجح هذا في وقف البرنامج النووي الإيراني. ويعد هذا تحديدا السبب وراء ممارسة بوب غيتس، وزير الدفاع، ومسؤولين آخرين ضغوطا من أجل استكشاف السيناريوهات المختلفة المحتملة فيما يتعلق بإيران، والإسراع من وتيرة التخطيط لحالات الطوارئ التي يمكن أن تظهر مع احتدام المواجهة بين الجانبين.

من جهته، لم يرق للبيت الأبيض وصف صحيفة «نيويورك تايمز» لمذكرة وضعها غيتس في يناير (كانون الثاني) باعتبارها «صيحة استيقاظ»، بالنظر إلى حجم الجهود التي بذلتها الإدارة بالفعل بخصوص القضية الإيرانية. إلا أن الخبر الوارد في الصحيفة استشعر الإلحاحية التي ينظر بها غيتس ومسؤولون آخرون إلى المشكلة، وخوفهم من أن تفشل العقوبات، بغض النظر عن مدى دقتها، في تحقيق الأثر المرجو. ودعت المذكرة التي كتبها غيتس بصورة محددة إلى «تخطيط واستعداد حذر» للمواجهة مع إيران، طبقا لما ذكره مسؤول رفيع المستوى اقتبس عبارة من المذكرة ذاتها. وطلب وزير الدفاع أن يتولى كبار ضباط مجلس الأمن القومي مناقشة مجموعة القضايا والخيارات التي ربما تنشأ على هذا الصعيد.

وتتمثل الخطوة التالية في حملة الضغوط تلك في أن نظام العقوبات يجري تصميمه على يد ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية. وسيتضمن هذا الأمر الكثير من العناصر المتشابكة: يتمثل العنصر الرئيسي بينها في استصدار قرار جديد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإضافة مزيد من العقوبات ضد فيالق الحرس الثوري الإيراني والشركات التابعة له، إلى جانب شركات إيرانية أخرى على صلة بمجالات تصنيع ونقل وتمويل شحنات الأسلحة والنشاطات غير القانونية الأخرى. لكن لا تعدو تلك مجرد البداية. من جانبها، تدرك الإدارة أن روسيا والصين ستعمدان إلى التخفيف من صرامة القرار الصادر عن مجلس الأمن، لكنها ترغب في فرض عقوبات من جانب الأمم المتحدة ضد إيران على أي حال، وذلك كنقطة انطلاق لاتخاذ إجراءات إضافية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. في الواقع، مثل تلك العقوبات الخاصة والانفرادية هي التي ستخلف الألم الأكبر على إيران: ومع سعي الإيرانيين لتفادي هذه العقوبات، ستتسبب أساليب الخداع التي سيتبعونها في إثارة مزيد من الإجراءات العقابية بحقهم.

في هذا السياق، أوضح أحد كبار المسؤولين أنه «إذا ركزت انتباهك على السلوك السيئ، فإن محاولاتهم الالتفاف على العقوبات لن تقوضها، وإنما ستزيد منها».

من بين الأمثلة على كيفية عمل المصيدة الخادعة حالة «بنك سباح» المملوك للدولة، حيث فرضت واشنطن عقوبات ضد المصرف في يناير 2007، بناء على مزاعم بأن المصرف تولى تمويل صنع صواريخ يمكنها حمل رؤوس نووية. وأضافت الأمم المتحدة، من ناحيتها، عقوبات ضد المصرف في مارس (آذار) 2007.

المعتقد أن الإيرانيين تحولوا بعد ذلك إلى الاعتماد على مؤسستين أخريين مملوكتين للدولة لتمويل نشاطاتهم النووية «بنك ميلي» و«بنك ميلات». وعليه، استهدفتهما الولايات المتحدة بعقوبات أيضا، وضغطت على مصارف دولية لوقف نشاطاتها التجارية معهما. وتعرضت المصارف التي عاونت الإيرانيين على الالتفاف على القيود المفروضة عليهم لغرامات ضخمة. ومن أجل التسوية الموجهة من الحكومة الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وافق المصرف البريطاني «لويدز» على سداد 217 مليون دولار، ووافق «كريديت سويس» على دفع 536 مليون دولار. وعليه، قررت معظم المصارف العالمية الكبرى أن الدخول في نشاطات تجارية مع طهران لا يستحق خوض المخاطر المرتبطة به.

كما تمكنت مصيدة العقوبات أيضا من الضغط بشدة على شركة «الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشحن» المملوكة للدولة، التي استهدفتها واشنطن عام 2008. وتشير مزاعم إلى أن الشركة حاولت الفرار من قبضة العقوبات المفروضة عليها من خلال إعادة تسمية بعض سفنها. من جانبهم، جرد البريطانيون الشركة من تأمينها، وسعى الإيرانيون لنيل تغطية من روسيا، ثم برمودا، لكن جرى اقتفاء أثرهم من جانب واشنطن التي رأت أن سلوك الشركة المخادع يثبت أنه من المتعذر الاعتماد عليها كمخاطرة تأمينية.

بيد أنه رغم كل هذه الضغوط الشديدة، لا تزال إيران تقوم بنشاطات صرافة وشحن، الأمر الذي يسلط الضوء على مدى صعوبة استغلال العقوبات في فرض تغيير في السياسات. وتتسم هذه الجهود بسجل متفاوت من كوبا حتى العراق. بالنسبة لصانعي السياسات، بدأت النقاشات تتحول الآن إلى قضية حساسة أشار إليها غيتس في مذكرته - المساحة الفاصلة بين العقوبات والعمل العسكري المباشر. ما هي الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة وحلفائها، بخلاف الحرب، من أجل رفع تكاليف الإبقاء على برنامج لصنع أسلحة نووية بالنسبة لإيران؟ هل هناك سبل لتخريب أو احتواء مثل هذا البرنامج من دون اللجوء لقصف المنشآت النووية الإيرانية؟ لن نعاين الكثير من المناقشات العامة لمثل هذه المنطقة الرمادية الحساسة، لكن الواضح أن هذه هي النقطة التي سيركز عليها كبار المسؤولين في الأشهر المقبلة، في إطار استعدادهم لاحتمال عدم نجاح مصيدة ليفي الماهرة.

* خدمة «واشنطن بوست»