المال ينقذ المال

TT

المال ينقذ المال والفقر لا يلتفت إليه أحد. صرفت أميركا مئات آلاف المليارات من أجل إنقاذ البنوك السيئة الإدارة وشركات التأمين المغامرة وذوي الديون الهالكة. وجهدت الأمم لجمع ثلاثة مليارات دولار لبلد سقط تحت الركام وتحت المرض وتحت الخوف وتحت الأوبئة، يُدعى هايتي. وفي هايتي بيوت الفقراء هي التي رُدمت والموت تعمد أن يحصدهم حصدا. وفي القاهرة المباني المكتظة بالفقراء هي التي تسقط. وفي شبه الجزيرة الهندية الولايات الأكثر فقرا هي التي تغرق تحت الفيضانات. وفي الولايات المتحدة لم يعربد الإعصار كاترينا إلا في لويزيانا ولاية الفقر، التي اكتشفها ذات مرة رحالة فرنسي وأعطاها اسم ملكة، لويسٍ ما. لم أعد أذكر رقمه.

مرة قال صلاح جاهين في إحدى «حِكَمِه» الضاحكة إن الناس قسمان: واحد يرمي الزبالة وواحد يلمّها. واعتقدت أن في ذلك قسوة. لكن مع العمر تأكدنا أن هذه هي الحياة: أكثر قسوة على الفقراء وقليلي الحصانة. ولا ندري لماذا. لكن الذي نعرفه أن العالم مع الأقوياء والأغنياء لذلك يبحث الغني دائما عن السلطة ويبحث القوي عن المال. ولا يكتمل أحدهما إلا بالآخر.

لو أن الكارثة الاقتصادية ضربت بنغلادش وسري لانكا وزامبيا ومنغوليا، لكانت المجاعة ملأت الأرض. لكنها ضربت أميركا التي في إمكانها أن تكون مدينة بخمسين تريليون دولار. ومثل مصباح علاء الدين فرك أوباما صدره وجاء بالمال. من أين؟ ليست لديّ أي فكرة. أهدرت روسيا أيام بوريس يلتسن 120 مليار دولار أقرضها إياها البنك الدولي، أي ما يكفي لتضييع نصف العالم الثالث، هذا إذا لم يسرق مسؤولوه الأموال قبل وصولها.

دائما هناك مال متوافر يُعطَى للقوي. سرق الأميركي مادوف أكثر من 60 مليارا من أموال الناس. أما إذا حاول فقير أن يقترض ألف دولار فلا بد من المهندس محمد يونس لتدبيرها. يذكّرنا مؤتمر المعونات لزلزال هايتي بمؤتمر دافوس الذي يُعقد كل عام، دون أن يخبرنا أحد، بعد ثلاثين سنة، ماذا حقّق أو أنجز أو قدم للعالم، غير بطاقات التعارف. يقول حامل نوبل الآداب خوسيه ساراماغو: «لثلاثين عاما، كانت دافوس غاليري المحافظين الجدد بامتياز. وبقدر ما أستطيع أن أتذكر فإنني لم أسمع مرة واحدة صوتا من ذلك الفندق السويسري يحذر من الطرائق التي تتبعها الأنظمة الاقتصادية والمالية. لقد كانت الرياح تقوى لكن أحدا منهم لم يُرِدْ أن يلحظ أن العواصف آتية. والآن يقولون لنا إنه لم يعد لديهم أفكار جديدة. فلنراقب ونرَ إذا ما برزت أفكار أخرى، خصوصا أن مخزونهم من الأكاذيب التي يقولونها لنا قد فرغ».

هكذا قال ساراماغو.