كيف تقضي مئات الساعات بسيارتك؟

TT

لو افترضنا أنك تقضي ساعة كاملة في السيارة لكل مشاويرك اليومية، فإنك تمضي 365 ساعة فيها طوال العام، أي ما معدله 49 يوم عمل، على اعتبار أن مدة الدوام اليومي هو 7.5 ساعة. وقد استمعت إلى دراسة علمية، ذكرتها إحدى المحطات الإذاعية الأميركية، تظهر أن مجموع الساعات التي يقضيها الأميركيون في «الازدحام المروري» سنويًا هي 72 ساعة أي ما يعادل ثلاثة أيام كاملة! فما هو حال من يعيش في عواصمنا العربية المكتظة بالسيارات. ألا يستحق هذا الوقت المهدور في سياراتنا أو سائر وسائل النقل العام أن يستفاد منه؟

ما الذي يمكن فعله بالسيارة؟ هناك العديد من الطرق التي يستطيع أن يطور فيها الإنسان ذاته، باكتسابه مهارات أو معلومات مهمة. على سبيل طرح المجمع الثقافي في أبوظبي مشروعا جميلا سماه «الكتاب المسموع» وهو عبارة عن باقة من الكتب العربية المعاصرة والتراثية بالإضافة إلى الأجنبية المنقولة إلى العربية يمكن الاستماع إليها عبر الأقراص الممغنطة CD أو الأشرطة. ومنها مثلا، كتاب «البخلاء» للجاحظ، و«مقدمة ابن خلدون» فضلا عن روايات وكتب مسموعة للأديب نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وغيرهم. بالإضافة إلى كتب أجنبية ترجمت إلى العربية، وجاءت على رأس قوائم الكتب الأكثر مبيعا بالعالم. وللشعر نصيبه أيضا مثل مختارات للشاعر المتنبي والمعلقات وقائمة طويلة من الشعراء المعاصرين والقدامى.

وتتراوح مدة الألبومات المسموعة من ساعتين إلى أربع ساعات، وقد أعدت كذلك لتكون مناسبة للسفر والتنقلات بالسيارة.

ولا يقتصر الأمر على الكتب، فيمكن أن يستثمر الإنسان وقته بالسيارة في الاستماع إلى دورات تدريبية ليطور مهاراته وقدراته، ليحسن من طرق تعامله مع زملائه وأصدقائه، ويرتقي بالعمل، خصوصا إذا كان يريد أن يطور مهارة أو يتخلص من بعض العادات السلبية بعيدا عن أعين المتطفلين، الذين قد يلتقطون عنوان الكتاب الذي تقرأه فيعرفون الحكاية! وتبقى السيارة ملاذا لمن ينشد الخصوصية، حيث إنه عندما طُلب من مجموعة تجريبية تحديد أكثر مكان يشعرون فيه «بالخصوصية والراحة» كانت الإجابة «السيارة» رغم أن القائمة الطويلة التي أعطيت لهم كان من بينها غرفة النوم ودورات المياه وغرفة المعيشة وغيرها!

ولا ننس الإذاعة، التي تبث على مدار العام تجارب الناس وقصصهم وبعض التمثيليات الجميلة، لا سيما الأخبار بأنواعها. فهي كانت وما زالت مكتبة سمعية وترفيهية إن أحسن الفرد اختياراته. أعرف أكثر من شخص يوقتون مواعيد ركوبهم السيارة صباحا ومساء بحسب مواقيت البرامج المفضلة لديهم. ولم تلفظ الإذاعة بعد أنفاسها، فحتى العالم الغربي، كأميركا مثلا، ما زال 87 في المائة يرون أن «أكثر نشاط يقومون به داخل السيارة هو الاستماع إلى المحطات الإذاعية» بحسب دراسة قامت بها جمعية كاليفورنيا الجنوبية للإعلام، في حين يفضل 5 في المائة الاستماع إلى الأقراص الممغنطة و3 في المائة فقط لأشرطة الأغاني واختار 5 في المائة أشياء أخرى. ولحسن الحظ حتى لغتك يمكن أن تطورها في سيارتك، كأن تستمع يوميا لفقرة تعليم «اللغة الإنجليزية» التي تبثها إذاعة «بي بي سي» العربية.

وما زلت أتذكر تلك المستمعة التي قالت لمذيع إنها حفظت نصف القرآن الكريم لمجرد أنها تستمع إلى قراء ماهرين، أثناء قيادتها للسيارة إلى مقر عملها البعيد نسبيا.

لو وضع كل منا جدولا شهريا لما يود الاستماع إليه في سيارته، لصار لديه رصيد لا يستهان به من المهارات والمعلومات المهمة والمفيدة.. والمسلية.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]