الألمان في أفغانستان

TT

المثير أن من ينهى عن سحب القوات من أفغانستان هي حكومة ألمانيا، البلد الذي عرف بامتناعه عن مساندة أي عمل عسكري منذ هزيمة الرايخ في الحرب العالمية الثانية، وذلك بفعل التوجه الشعبي عند المواطن الألماني الكاره للمغامرات العسكرية في ردة فعل طبيعية على الحروب. نحن أمام انقلاب في الموازين، حيث كانت بريطانيا عادة هي من يساند العمل العسكري الأميركي في مثل هذه الظروف الصعبة.

حرص ألمانيا على استمرار القوات، والمشاركة في القتال يعني عمق الأزمة، ويعطي مصداقية عند الحديث عن مخاطر الانسحاب. المستشارة أنجيلا ميركل توجهت إلى البرلمان الألماني تناشده عدم التعجل في سحب القوات الألمانية التي تشارك لأول مرة في العمليات القتالية هناك، وتمثل القوة الثالثة بين مجموعة «الناتو» في أفغانستان. وكانت رسالتها الأساسية تحذر من أن الانسحاب السريع سيؤدي إلى كارثة لاحقة، وهي بذلك تحاول تغيير الرأي العام الألماني الذي يرى 70% منه ضرورة الخروج.

وجهة نظر المستشارة الألمانية «أن انسحابا غير مخطط من أفغانستان سيفاقم بشدة من مخاطر وصول أسلحة ومواد نووية إلى مجموعات متطرفة». وأشارت إلى أن باكستان هي أصلا قوة نووية، وأن إيران تريد أن تكون كذلك، وأن «تنظيمات مثل «القاعدة» تسعى إلى وضع يدها على مواد نووية».

وحكومات الدول المعنية بالشأنين العراقي والأفغاني، مثل ألمانيا، في قلق من الضغوط الشعبية، خشية أن تؤدي إلى سحب القوات المشاركة. والمعضلة التي تواجه الحكومات المشاركة في الحرب هي صعوبة إقناع الرأي العام الذي ينفر من إرسال أبنائه ليحاربوا في صحارى العراق وأفغانستان، ويعتقد أن البلدين بعيدان بما فيه الكفاية. وهذا ما جعل المستشارة ميركل أن تذكر بأحداث الـ11 من سبتمبر التي وصلت إلى أميركا من أفغانستان، محذرة بأن الانسحاب قد يعني غدا إيران قوة نووية، وسيمكن «القاعدة» من السلاح النووي أيضا، مما يجعل أي دولة في العالم مهددة، كما قتل ألفا أميركي في هجمات الـ11 من سبتمبر في غضون ساعة واحدة فقط.

فهل هناك خطر حقيقي من الانسحاب من أفغانستان؟ وهل يمكن أن يبلغ الخطر التخوم الألمانية وما وراءها؟

إن قدرة المقاتلين الشيشان على الوصول إلى قلب موسكو عدة مرات وتنفيذ عمليات هائلة، وقبلها قدرة «القاعدة» على الوصول إلى إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة يجعل الانسحاب، لو حدث، مسألة مؤقتة لتعود بعدها القوات إلى القتال في هذا العالم المضطرب. وهذا ما حدث، إذ بعد سنوات من الانسحاب من أفغانستان عادت القوات الأميركية لتقاتل في نفس السهول والجبال.

[email protected]