نعم الفن نوع من العدوى!

TT

الأديب الروسي تولستوي هو الذي قال: إن الفن نوع من العدوى. بأن ينتقل المعنى أو الإحساس من الكاتب إلى القارئ أو المشاهد كأنه هو البطل أو كأنه واحد من الذين يعيشون في العمل الأدبي، أي ليس قارئا ولا مشاهدا.. وإنما هو كائن موجود بين أبطال الرواية أو المسرحية..

وأذكر أنني عندما كنت أقرأ رواية «الجريمة والعقاب»، تأليف دستويفسكي، أن البطل طالب ذهب يقتل صاحبة البيت. وصوت الباب وهو ينفتح أحسست كأنه باب غرفتي فرفعت عيني عن الكتاب ونظرت إلى الباب..

وفي رواية «الإخوة كرامازوف»، لدستويفسكي أيضا، عندما أحس أهل إشبيلية بأن المسيح - عليه السلام - يمشي في شوارعها. ويومها خرج الناس من صلواتهم في الكنائس وساروا وراءه. فذهب إليه أحد الكرادلة واقترب منه قائلا: يا سيدنا، اخرج من هنا وإلا صلبتك باسم العداء للمسيحية، فأنت قلت لنا إن الجنة لا يدخلها الأغنياء إلا إذا دخل الجمل من عين الإبرة، مع أن الأغنياء هم الذين بنوا لك الكنائس!

واقترب من المسيح وشد ثوبه فرفعت عيني عن الكتاب وأحسست كأنه جرجرني من ثوبي!

وفي رواية «مدام بوفاري» للأديب الفرنسي فلوبير.. البطلة الرقيقة الجميلة اسمها أيما بوفاري وزوجها طبيب أرياف. يجيء وملابسه لها رائحة القش المبلل وحذاؤه قد حمل من الطين ما يوازي وزنه.. وهو عادة يجيء ويجلس على طرف السرير ويخلع حذاءه ويكون له دوي جعلني أنظر إلى السقف في انتظار أن يخلع حذاءه!

ومسرحية «بيت الدمية» للكاتب النرويجي أبسن.. غضبت البطلة واسمها نورا وأغلقت الباب بشدة في وجه زوجها.. وفى وجه الجمهور والقرن التاسع عشر.. وكان للباب دوي القنابل حتى وضعت يدي على إذني.

وفي قصة «اللعبة الملكية» للأديب النمساوي شبشتان تسالفغ.. راح السجين يسلي نفسه فكان يسترجع كل ما حفظ من الشعر ويلاعب نفسه الشطرنج ثم راح يقول شعره بالمقلوب.. أي يرتب الأبيات من آخرها إلى أولها..

وفي مقامات الحريري قصائد كاملة تقرأها من أولها تماما كآخرها.. مثلا هذا البيت:

مودته تدوم لكل هول.. وهل كل مودته تدوم

رفعت رأسي عن القراءة. ورحت أحاول أن أعكس محفوظاتي من الشعر. لقد نسيت أنني القارئ ولست البطل!

إنها عظمة الفنان وقدرته الفذة على أن يجعلك أحد مخلوقاته فتفعل كما يريد!