الحرب القادمة

TT

عانى عدد غير بسيط من مستخدمي شبكة الإنترنت في الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة بطئا كبيرا في الخدمة. وقد عللت الشركات المقدمة للخدمة أن السبب يعود إلى «انقطاع وتلف» في الكيبل البحري الموجود في البحر المتوسط بالقرب من السواحل الإيطالية. وهذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها حادثة من هذا النوع. والشيء الغريب أن ملابسات هذا الأمر بقيت في طي الكتمان من دون توضيح ولا تفسير منطقي! وقدمت الكثير من التفسيرات لما حصل، ولعل أهمها أن حادثا إرهابيا كان وراء هذا العطل، وأننا قد نكون دخلنا عصر الإرهاب الإلكتروني، أو عصر أسلحة «الإزعاج الشامل» كما سميت.

«الهاكرز» هم الإرهابيون الجدد، وقدراتهم ونفوذهم في ازدياد. و«الهاكرز» هو الاسم المتعارف عليه لمجاميع وأفراد الشبكة الإلكترونية الذين يقومون باختراق المواقع الإلكترونية والعبث بالملفات والمعلومات بأسلوب فتاك ومدمر، متسببة في خسائر هائلة تعيق العمل والإنتاجية للشركات والأفراد والدول.

ريتشارد كلارك، الموظف التنفيذي الكبير، الذي استقال احتجاجا على سياسة جورج بوش الابن بخصوص عدوانه على العراق وإهماله للتحذيرات الأمنية التي قدمت عن تنظيم القاعدة، واعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، وكتب على أثرها كتابه الناجح «ضد كل الأعداء»، يعود اليوم مجددا كخبير أمني مستقل لا ينتمي لأي حزب أو لأي إدارة، فيكتب كتابا مثيرا جدا سيصدر رسميا الشهر القادم باسم «حرب السايبر». و«السايبر» هو اللفظ الذي بات أكثر استخداما وانتشارا لوصف الفضاء الإلكتروني. ويقول كلارك إن التنظيمات الإرهابية ستقوم بضربات متتالية بحق الهيئات الحساسة للغرب كالمصارف، و«ناسا» لأبحاث الفضاء والجامعات وشركات الطيران والمستشفيات وشركات المياه والكهرباء، لأنها أصبحت تعي تماما حجم الاعتماد الكلي اليوم على شبكة الإنترنت، وكيف أن «أعطالا بسيطة» في إمكانها أن تصيب جهازا ضخما بالشلل الكبير. وهو يطالب بضرورة إصدار وثائق واعتماد اتفاقيات بين الدول الكبرى لا تقل عن اتفاقيات الحد من انتشار السلاح النووي للسيطرة على «الهاكرز»، و«رسم» حدود الفضاء الإلكتروني، حتى تكون هناك سيادة على كل من يخطئ، وبالتالي تتحمل الدولة مسؤولية الخطأ الذي صدر من حدودها، لأن الخطأ وبالتالي الجرم الإلكتروني من الممكن تعقبه والوصول إلى الجاني.

وهذا يفتح بطبيعة الحال معركة هائلة على ملكية الفضاء، الأمر الذي شاهدنا بعض ملامحه في الصراع ما بين عملاق خدمة البحث «غوغل» والحكومة الصينية، وقبلها كانت الصين تعاركت مع «ياهو» على المسألة نفسها، وهي حق اختراق الموقع وضمانة عدم التسرب الأمني. والشركتان الأميركيتان اعتبرتا ذلك اختراقا للخصوصية، ومساسا بحرية الإبداع والتعبير.

ساحة جديدة من الحروب أعلنتها الحكومات ضد الشركات، والجهات الأمنية تراقب فرصا للبيع ستواجه لترويج البرامج الأمنية والحماية من الفيروسات، التي تتحول إلى قنابل نووية وأسلحة كيماوية فتاكة بالمعنى الجزافي. ولكن الضرر سيكون هائلا إذا لم يتم الانتباه إلى ذلك. روج لنا من قبل عن كارثة مشكلة «الصفر» عام 2000، ولكن شيئا لم يحدث، ولكن يبدو أن المسألة الآن أكثر جدية.

[email protected]