الكور والكار والكرة وسامارانش!

TT

كان حديثا طويلا مفصلا عند الحلاق. أسلمت رأسي له وراح في حديث مع زميل له وخمسة زبائن غيري. كأس الفرق الأوروبية وكأس العالم القادمة مدار الحديث الذي خاض فيه الجميع بمعرفة وتفاصيل دقيقة.

هم يتحدثون عن الكرة، وأنا أسلمت «كوري» للمقص، والكور باللهجة الخليجية تعني الرأس، وهي مشتقة بمعناها من «كور»، وتعني تكوير العمامة على الرأس أو ما شابهها. وقد يحلف أحدهم معترضا: «والله ما يصير ما دام هذا الكور يشم الهوا»، أي ما دمت حيا.

والكُور تعني المواشي عامة، لكنها انحصرت بمعنى الإبل فقط في لهجة الخليج، ربما بسبب سنامها المكور. وفي مطلع قصيدة شهيرة لشاعر الكويت الشعبي حمود الناصر البدر «يا راكبين أكوار ستٍّ تبارى».. والقصيدة غناها مطربون عدة أشهرهم الراحل عبد الله الفضالة.

استمر الحديث عن الكرة. شاركت بمداخلة أو اثنتين، حاولت أن أظهر معرفتي بالكرة، وتطرقت إلى هزيمة برشلونة الكتالوني الأسبوع الماضي على يد إنتر ميلان الإيطالي. ردود الأفعال عن نبرة حماسي «البريئة» لم تعجب معظمهم. لبرشلونة جماهير تتجاوز حدود إسبانيا وأوروبا كلها. كانت ردودهم تحمل الوعيد الأسبوع القادم بهزيمة نكراء للطليان على أرض كتالونيا. كنت قد أقسمت لنفسي بعدم الاختلاف مع الحلاق سياسيا. زدت هذه المرة ضرورة التعرف على ناديه العالمي المفضل لتشجيعه.

إنها العولمة في أنصع صورها: شباب من الكويت وسورية ولبنان في هذا الصالون يتحدثون عن خبايا وتفاصيل اللاعبين والمدربين بفرق أوروبية. تذكرت الأيام التي كان الانحياز محصورا فيها بين فريقي القادسية والعربي بالكويت، أو الأهلي والزمالك بمصر، أو الهلال والنصر بالسعودية، أو العين والشباب بالإمارات. صحيح أن هذه الفرق لا تزال تحظى بتأييد جماهيري عريض، لكنها جماهير - في الغالب - مزدوجة الولاء: هناك فريق محلي يشجعه الشاب، وآخر عالمي يتحمس له بنفس الدرجة، وأحيانا بدرجة أعلى.

شباب من كل الجنسيات يشجعون برشلونة. صيني وعراقي مهووسان بنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، جزائري وإماراتي يجمعهما حبهما ومتابعتهما لفريق ريال مدريد الإسباني. ساءلت نفسي عما يمكن أن يجتمع عليه حضور صالون الحلاقة غير الكرة؟

أصبحت الكرة «كارا»، والكار كلمة فارسية تعني المهنة والحرفة والصناعة. وقد يقال: «هذا مو كاري» أي أن هذا ليس من اختصاصي ولا يعجبني. والكار يختلف عن «الكير» التي وردت في الحديث الشريف وأصلها فارسي أيضا وتعني منفاخ الحداد.

مات قبل أيام الإسباني خوان سامارانش، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية السابق، الذي حول الكرة إلى كار عالمي وصناعة وتجارة مليارية خلال ترؤسه اللجنة طيلة ربع قرن. استفاد سامارانش من ثورة الاتصالات والنقل الحي للرياضة فحولها إلى هوس عالمي بامتياز. أصبح اللاعب يباع ويشترى بعشرات الملايين من الدولارات، واشتعلت حرب بين الفضائيات لاحتكار نقل البطولات، وتنافست الشركات الكبرى على وضع إعلاناتها وشعاراتها على ملابس اللاعبين وأثناء المباريات الدولية لعلمها أن ملايين البشر عبر العالم يشاهدون المباريات الدولية.

بعد أسابيع قليلة ستنطلق بطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا. البطولة تسبقها دائما حرب تنافسية بين دول العالم لاستضافتها. فاستضافة البطولة تعني انتعاشا اقتصاديا أثناء البطولة وقبلها وبعدها بسنين طويلة. حقوق للبث، وأخرى للبيع، وثالثة للملابس وأخرى للأغاني والأهازيج الرياضية الحماسية. شركات طيران عالمية تتسابق لاستقطاب الجماهير عبر إعلاناتها على «فانلات» اللاعبين، وبنوك عالمية رسمت شعاراتها على «الكُور» التي ستلعب بها الفرق بالبطولة وهكذا.

يا له من كار عظيم، ويا لها من عولمة كروية جمعت مئات الملايين من البشر من أطراف الكرة الأرضية. هذا ما دار في كوري، وأنا أغادر الصالون.