رحلة خاتمي إلى اليابان

TT

هل هذه الأخبار طيبة أم سيئة؟ منعت قوات الأمن الإيرانية خاتمي من السفر إلى اليابان، وذلك بعدما أخبره المسؤولون الأمنيون بأنه ممنوع من السفر.

أعتقد أن هذه الأخبار تحمل كلا الوجهين؛ الطيب والسيئ كوجهي العملة اللذين يكمل بعضهما بعضا. وسوف أقوم بتحليل هذين الوجهين في تلك المقالة.

أولا: الجانب السيئ.

لقد انتهى الحال بمعظم الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء في القرن الأخير من التاريخ الإيراني إلى مآلات مختلفة تماما. فقد تعرض بعضهم للنفي الإجباري، فيما اغتيل البعض، واتهم البعض الآخر بالخيانة، أو نعتوا بالعمالة لصالح بريطانيا أو الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال:

(1) توفي أحمد شاه (1898 - 1930)، آخر ملوك العصر القجاري في عام 1930 بـ«نويي سور سين» خارج باريس. وذلك بعدما أطاح به انقلاب عسكري شاركت بريطانيا في تنظيمه.

(2) توفي كل من رضا شاه بهلوي، مؤسس العصر البهلوي، وابنه محمد رضا شاه في المنفى.

(3) أعدم أمير عباس هوفيدا، آخر رئيس وزراء لإيران، في أعقاب قيام الثورة في أبريل (نيسان) 1979.

(4) يعيش أول رئيس لإيران، عبد الحسن بني صدر، في ضواحي باريس، وهو أحد النشطاء السياسيين ضد الطغيان الديني في إيران.

(5) اغتيل محمد علي رجائي، ثاني رؤساء إيران، على يد حركة مجاهدين خلق في 30 أغسطس (آب) 1981.

(6) قامت حركة مجاهدين خلق بمحاولة فاشلة لاغتيال علي خامنئي ثالث رؤساء إيران.

(7) تم منع رابع الرؤساء السابقين، هاشمي رفسنجاني، من حضور صلاة الجمعة، كما صدرت أوامر باعتقال ابنه؛ مهدي رفسنجاني. كما يقضي مدير مكتبه (عندما كان رئيسا) حسين مارشاي، الذي كان نائبا لخاتمي أيضا، عقوبة بالسجن. وفي أعقاب الانتخابات، تحدث آية الله خامنئي، في الخطاب الذي ألقاه في صلاة الجمعة، بوضوح حول أن رؤية أحمدي نجاد أقرب إلى رؤيته من رؤية رفسنجاني.

(8) كما أصبح موقف خاتمي، خامس الرؤساء، معقدا للغاية. فالصحف الحكومية ومحطات الراديو والتلفزيون التابعة للدولة تصفه بالخائن وعميل أميركا وإسرائيل. وقام مجهولون بتدمير قبر والده في أرداكان!

وعندما أراد السفر مؤخرا إلى اليابان لحضور فعاليات مؤتمر هيروشيما، وجد الطريق مسدودا أمامه.

وبإلقاء نظرة سريعة على تلك الأسماء التي تحدثنا حولها في السطور السابقة، سوف نجد أن زعماء إيران خلال القرن الماضي (وهم ثلاثة ملوك، ورئيسان للوزراء، وثلاثة رؤساء) كان مصيرهم متشابها: الموت في المنفى، الاغتيال، أو على الأقل النعت بالخيانة.

وليست أزمة منع خاتمي من السفر هي الفصل الأخير في التاريخ الإيراني الطويل. حيث إنها أحد عناصر الإرث السلبي لتاريخنا السياسي، فكل واحد يرفض الآخرين لكي يقدم نفسه. وكما يقول جلال الدين الرومي، فإنهم يعيشون من منطلق «لا» للآخرين وليس «أجل» لشخصياتهم أو سلوكهم.

وكما يقول غوته: «فكل شيء هو مجرد استعارة». ويبدو بالنسبة لي قرار منع خاتمي من السفر أقرب لكونه استعارة، تتحدد عبرها هوية ومآل الحكومة الإيرانية. ولذلك أعتقد أن لذلك القرار وجهين.

فهناك ثلاث تفسيرات متباينة بشأن قرار منع خاتمي من السفر. فيقول أحد أصدقائه المقربين: «لقد حذرت الشرطة خاتمي من أنه لا يستطيع مغادرة البلاد». فيما قال محاميه محمود علي زاده طبطبائي من دون ذكر التفاصيل: «إن زيارته لليابان ألغيت عقب توصية أصدرتها (هيئات حكومية) محددة، لكنه ليس قرارا بمنع خاتمي من مغادرة البلاد».

ومن جهة أخرى، قال موقع «Parlemannews.ir» الإلكتروني، الذي يشرف عليه أعضاء البرلمان الإصلاحيون، إن خاتمي تم منعه من مغادرة طهران مساء يوم الخميس لحضور مؤتمر لنزع السلاح النووي في اليابان كان من المقرر أن يشارك فيه.

ويبدو لي أن قرار منع خاتمي من السفر إلى اليابان ليس قرارا سهلا؛ أقصد أنه من المستحيل أن يتم اتخاذ مثل ذلك النوع من القرارات من دون موافقة آية الله خامنئي.

وتلك أخبار سيئة! حيث إنها تشير إلى أن زعيم إيران لم يستطع احتمال توجهات خاتمي. والأهم من ذلك أنه أصدر قرارا بمنع خاتمي من السفر إلى هيروشيما. وهو ما يعني أننا نواجه حكومة لا تحتمل خاتمي كرئيس سابق. وهي رسالة قوية لخاتمي وكل الإصلاحيين بأن الحكومة لا تستطيع احتمالهم.

ومن جهة أخرى، فإنني أستطيع أن أقول إن ذلك يحمل جوانب إيجابية أيضا! وذلك نظرا لأن مثل تلك الاستجابات الحكومية، سوف تعيد تعزيز موقف القادة الإصلاحيين. لأن ذلك أثبت أننا جميعا على متن سفينة واحدة، وأن الحكومة لا تفرق بين موسوي وخاتمي وكروبي، بل وحتى هاشمي رفسنجاني. وبالنسبة للحركة الخضراء في إيران، فإننا بحاجة إلى هؤلاء الرجال الأربعة لتقوية جذور الحركة الإصلاحية، ونشرها إلى منازل كل الإيرانيين.

ومن الواضح أن الحركة الخضراء تقف ضد إنتاج أي أسلحة نووية، أو إنتاج أو استخدام القنابل النووية، بناء على آخر فتوى لآية الله العظمى منتظري، التي أصدرها في الشهر الأخير من حياته. كما أنه من الواضح أن مؤتمر هيروشيما كان موقعا ملائما لكي يعلن منه خاتمي أن الإيرانيين والحركة الخضراء ليسوا من أنصار السلاح النووي. ومن الصعب أن نفهم لماذا قام خامنئي بالقضاء على ذلك الموقف الإيجابي.

وقد تم نشر خطاب خامنئي على موقعه الإلكتروني «باران»، والذي كان يتسم بلغة أدبية راقية، وتفسير منطقي، خلال حديثه حول العلاقة الوثيقة بين الديمقراطية والحرية والعدالة:

«إن هيروشيما ليست مجرد مدينة في اليابان، فهي تستدعي ذكريات مؤلمة حول المعاناة الإنسانية. كما حذر من مصير البشرية وما عانت منه. وفي اللحظات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، تم إلقاء القنابل الذرية على كل من هيروشيما وناغازاكي وتدميرهما، مما أسفر عن مقتل المواطنين الأبرياء ومعاناة من نجا منهم. وما زالت آثار الألم والمعاناة الناجمين عن تلك الكارثة مستمرة حتى وقتنا الراهن».

ومن غير المصدق أن تلك الكارثة غير المحتملة وقعت في اليابان. اليابان التي ترقى لغتها النخبوية إلى مستوى الشعر الذي يستخدم الاستعارات الحية والطبيعية بأسلوب راق ويعكس المشاعر الداخلية للإنسان. إن التعايش السلمي والتعاطف مع الطبيعة، وعشق الجبال والسحب والرياح والأمطار والزهور والروح النقية للإنسان، نادرا ما يظهر في الثقافات واللغات الأخرى بالدرجة نفسها التي يتجلى بها في اللغة والثقافة اليابانية.