سموم على الهواء

TT

إنها حمى المحطات التلفزيونية الناطقة بالعربية! الـ«بي بي سي» البريطانية لديها واحدة، وكذلك محطة «فرنسا 24» لديها واحدة، والألمان أيضا، وهناك روسيا اليوم، وانضمت إليها مؤخرا تركيا، وطبعا الخارجية الأميركية لديها محطتها «الحرة»، وهناك مشروع صيني يستعد للانطلاق عبر محطة عربية، وهناك حديث متجدد عن إطلاق محطة «سي إن إن» لنسختها العربية، وكذلك «بلومبيرغ» المتخصصة في التغطية المالية والاقتصادية، وذلك عقب نجاح محطة «سي إن بي سي» في نسختها المعربة. ولكن الخبر الأهم هو «موافقة» البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على إطلاق محطة فضائية جديدة موجهة للناطقين بالعربية من سكان إسرائيل و«الدول المحيطة»، وقد تم منح هذه المحطة استثناءات لافتة ومهمة وهي أن الإنتاج «المحلي» لأول سنتين سيكون نسبته% 7.5 من إجمالي ساعات البث (على عكس العشرين في المائة كحد أدنى التي تلزم به المحطات الفضائية الأخرى بإسرائيل)، ومن السنة الثالثة سترتفع النسبة إلى 12% ومن العام الرابع ستكون 20%، وستقدم المحطة بحسب القائمين عليها الأوضاع «الحقيقية» لإسرائيل بعيدا عن «المبالغات» التي تتناقلها وسائل الإعلام الأخرى. وهذه المحاولة هي الثانية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، ففي شهر يونيو (حزيران) من سنة 2002 أطلقت قناة فضائية عربية تقدم برامج إخبارية وحوارية وترفيهية، ولكنها فشلت بسبب مغادرة كثير من المهنيين الجادين من عرب إسرائيل للقناة نتيجة التدخل التحريري الصريح في مضمون المادة الإخبارية وتسييسها لصالح الطرح الصهيوني المتطرف الذي يقر عمليا بأفضلية اليهودي الإسرائيلي على العربي الإسرائيلي بأشكال مختلفة، سواء كان ذلك على الشاشة أو من خلفها في الإعداد والإخراج، كما فضح هذا الأمر كثيرا من الأمثلة والحالات التي صرح بها أرتال من الموظفين والضيوف الذين استقالوا أو أقيلوا أو اعترضوا على ما حدث.

وطبعا ستقوم هذه المحطة ببث قراءات قرآنية للشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود خليل الحصري، وبث أغاني عبد الحليم حافظ وفيروز وأم كلثوم، وعرض أفلام نجيب الريحاني وفاتن حمامة ومحمود ياسين وعادل إمام، ومسرحيات فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وثلاثي أضواء المسرح، وطبعا كل هذه المواد ستكون معتدى عليها ومن دون أي تعويض مادي لأصحابها وملاك حقوقها الفكرية (ولكن إذا كانت إسرائيل قد اعتدت على الأراضي الفلسطينية نفسها والسورية واللبنانية والمصرية وادعت أن التبولة والحمص والفلافل هي منتجات إسرائيلية فلن يكون غريبا أو خارجا عن المألوف أن تدعي أن كل ذلك هو تراث يهودي هو الآخر!). إسرائيل طبعا لن تكون عرضة لأي عقوبة نتيجة لسرقتها حقوق وأفكار الآخرين، فهي لم تعاقب لسرقتها الأرض، ولكن المشروع الإعلامي الأخطر الذي سيقدمه مجموعة من العرب الإسرائيليين الدروز سيمرر «معلومات» و«أرقاما» و«أبحاثا» ليثبت الهوية الإسرائيلية للمواقع الإسلامية والمسيحية وتغيير أرض الواقع، ليس بالمستوطنات السكانية ولكن هناك مستوطنات ثقافية وفكرية ستحاول إسرائيل الترويج لها. المشروع مستمر، ولكن أسلحته تتغير وتتطور.

[email protected]