قصة «سور نينوى».. مفتاح الردع

TT

ما نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، وما بثته قنوات فضائية عن فضيحة السجن السري الذي سموه «سور نينوى»، يمثل واحدة من أكبر فضائح المزيفين من دعاة الديمقراطية. ليس لأنه خرق فاضح لحقوق الإنسان فحسب، بل لأنه وقع في مرحلة حصول تحسن أمني كبير تحقق بفضل حركة الصحوات، التي تفرض وقف كل الإجراءات المحسوبة على حالة الطوارئ القصوى.

وقبل أيام، أجرت قناة فضائية لقاء مع قيادي في كتلة المالكي، وقد تمكن المذيع بجدارة من إقامة التهمة، ولا أقول الحجة، على فريق الحكم، الذي حاول التذرع بمتطلبات الأمن. فالمحاججة المنطقية هي: إن كنتم تتذرعون بمتطلبات الأمن فإنه كان مفروضا في زمن النظام السابق أفضل مما حققتموه!

من راقب الفعل وردوده لا بد أنه لمس تخبطا وتهربا واضحين من المسؤولية. فالتناقضات بين مسؤول وآخر كانت واضحة، والكل يحاول تبرئة المالكي مما حصل وفق حجج ساذجة لا يعول عليها. وبعضهم يلقي على نفسه المسؤولية من حيث لا يعلم.

ومن أغرب ما سُجل، ما نُسب إلى وزير الدفاع، وفقا لما هو منشور في موقع «راديو سوا» الأميركي، حيث قال: «لم يتم إغلاق السجن العائد للوزارة، وإن وضع محتجزين فيه كان بسبب عدم وجود أماكن كافية في السجون التابعة لوزارة العدل»! ما شاء الله، بعد سبع سنوات من التغيير لم تعد السجون تكفي! ونسب إليه في مكان آخر قوله إن رئيس الوزراء لا يتدخل في شؤون الأجهزة الأمنية! فمن يصدق وكيف يجوز عدم تدخل القائد العام في شؤون وتصرفات أجهزته؟ وهل يعفيه عدم التدخل من المسؤولية أم يجعلها مركبة عليه؟!

وتثير القضية كثيرا من التساؤلات الأساسية عن الغاية والأسلوب والنتائج، أختزل منها الآتي:

من الذي أمر بالقبض الجماعي بهذه الطريقة وفي مدينة تبعد عن العاصمة أربعمائة كيلومتر؟ ولماذا لم تُشرك قيادة المحافظة بالقرار والتنفيذ؟ ولماذا لم يجر اعتقالهم في المحافظة نفسها؟ فهل يعني ذلك عدم الثقة في مسؤوليها؟

ما هي القاعدة التي بنيت عليها فلسفة القرار؟ وما هي التهمة الموجهة إلى المعتقلين؟ وهل يعقل أن تكون على خلفية الانتماء إلى تنظيم القاعدة؟ وهل تحول هذا التنظيم المرفوض شعبيا إلى منظمة بهذه السعة والانتشار والعلنية بما يساعد على تجميع معلومات بهذا المستوى؟ وإذا كانت قدرة تجميع المعلومات متوافرة إلى هذا الحد فلماذا لم يجر التأكيد على متابعة حركة المعلومات مرحليا لمنع تورط الكثير من الشباب؟

وما هي القاعدة التي يُستند إليها في إصدار مذكرات الاعتقال؟ وألا تتطلب عملية بهذا الحجم جهدا قضائيا كبيرا ودقيقا ووقتا طويلا لتدقيق أوليات كل فرد من المطلوبين؟ أم أن طريقة التنفيذ تأخذ سياقا صوريا تحت مبررات غير متكاملة الجوانب القانونية؟ وهل شارك قضاة من المحافظة نفسها مع جهد أمني محلي بعلم قيادة المحافظة أم استبعدوا، ولماذا؟

ثم لماذا لم يخبر ذووهم بمكان اعتقالهم لمدة ستة أشهر على حد ما نشر؟ ولماذا يتعرض هؤلاء الشباب إلى التعذيب النفسي والجسدي طبقا لما عرضته قنوات فضائية؟ وهل يعقل حدوث ذلك كله بلا علم من رئيس الوزراء؟ وهل يمتلك وزير الدفاع مثل هذه الصلاحيات غير المتعارف عليها دوليا؟ وماذا يمكن توقعه من إجراءات تقص، أم ستسير القضية على غرار سابقاتها تسويفا؟ وهل تفيد العملية تعزيز الوحدة الوطنية أم تؤدي إلى النفور والنزوع إلى المفاصلة؟

ثم، أين الدور الأميركي في منع الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها الشباب؟ وهل يعقل أن الأميركيين لم تكن عندهم معلومات عن السجن؟ وهل يعني ذلك محاباة رئيس الوزراء وتفادي التقاطع معه، على غرار إخفاء الدور الأميركي الفعال في مقتل زعيمي «القاعدة» في العراق أو التقليل منه، مما جعل المالكي يعتبره مكسبا شخصيا؟

والأهم من هذا كله ماذا ستتخذ القائمة التي انتخبوها من إجراءات قانونية وسياسية وإعلامية حاسمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه العملية المنكرة، وتوثيق الملفات لتقديمها إلى محاكم «نينوى» على الأقل، لتصدر قراراتها بلا مواربة وبصرف النظر عن الموقع ومستوى المسؤولية؟ وهذه وغيرها يمكن تقديمها إلى محكمة الجنايات الدولية في حال عدم توافر فرص تنفيذ قرارات المحاكم المحلية.

وينبغي التصرف حيال التجاوزات المخالفة للقانون والأعراف البشرية على أساس إنصاف المظلومين، كخطوة أولى على طريق إقامة نظام ديمقراطي فعلي في العراق، وليس على قاعدة تقاسم السلطات. فهل سمع أحد بمكافأة أحد بمنصب سيادي على أفعال لا يقبلها المنطق والضمير؟ فدعاة تقاسم السلطات لا يدركون أبعاد استمرار المعضلات، أو أن لهم مآرب أخرى.

وفي المحصلة، قد تكون قصة سجن «سور نينوى» مفتاحا لردع المتجاوزين.