موازين القوى الجديدة

TT

تعكس القرارات الجديدة المتعلقة بتعديل حقوق التصويت في البنك الدولي، التي اتخذت في اجتماعات واشنطن، موازين القوى الجديدة على الساحة العالمية اقتصاديا وسياسيا، فليس غريبا أن تأتي الصين ثالثة بعد القوتين العظميين اقتصاديا، الولايات المتحدة واليابان، فهي قوة بازغة، ورغم أنها ما زالت تتلمس خطواتها بحذر على رقعة الشطرنج العالمية فإنها أصبحت حقيقة لا يمكن تجاهلها كقوة شبه عظمى منافسة، وكذلك ينطبق الحال على البرازيل والهند التي زادت مع دول أخرى ناشئة حصصها التصويتية على حساب القوى الصناعية التقليدية.

وهي تعديلات في نظام مؤسسات «بريتون وودز» (مجلس الأمن والأعضاء الخمسة الدائمون سياسيا، والبنك والصندوق الدولي ماليا واقتصاديا) التي أقيمت لتعكس حالة وموازين القوى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى الآن مع بعض التغييرات في العامين الأخيرين بالتحديد.

وما يستحق أن يرصد في المرحلة الانتقالية الحالية التي يولد منها نظام عالمي جديد يتناسب مع الحقائق والخريطة الجديدة للعالم، أن التغييرات بدأت في المجال والتكتلات الاقتصادية، فمجموعة السبع التي كانت تضم أكبر 7 دول صناعية، والتي ظلت لفترة طويلة عبر اجتماعيها السنويين ترسم السياسة العالمية، توسعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانتهاء فترة الحرب الباردة لتضم القوى البازغة القديمة القادمة في شكل جديد، وهي روسيا لتصبح مجموعة الثماني، وأخيرا أصبحت في العامين الأخيرين مجموعة العشرين التي تضم دولا وضعت أقدامها بثبات على خريطة الاقتصاد العالمي وتسمى القوى البازغة أو الناشئة، وبينها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومن المنطقة العربية السعودية هي المنبر البديل لمجموعة الثماني، والمنصة الرئيسية لتنسيق السياسات المالية والاقتصادية في العالم.

أما على الصعيد السياسي فالمناقشات منذ سنوات حول تعديل تركيبة مجلس الأمن الدولي وضم قوى جديدة إلى الأعضاء الدائمين من القوى البازغة في قارات العالم، والترشيحات كثيرة من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، لكن لا أحد يتوقع أن يُنجَز شيء على المدى القصير، فالحساسيات والمنافسات عالية، وخلافا للاقتصاد المعتمد على حقائق وأرقام فإن النفوذ والتأثير السياسي له معايير غير مرئية ويمكن الجدل حولها.

ويستحق أيضا أن يرصد أن الدول التي غيرت وضعيتها على الخريطة العالمية، لتنضم إلى نادي الكبار، نجحت في ذلك من باب الاقتصاد والتنمية، وليس أي باب آخر، ففي النهاية فإن مقياس قوة الأمم هو قدراتها الاقتصادية، فهي التي تمكنها من الإنفاق على قوتها العسكرية والعلمية وتحسين مستويات التعليم والمعيشة فيها. ولم تكن هذه الدول خارج نطاق الأزمات، فكل منها لديه أزمته الإقليمية، الصين وقضية تايوان مثلا.. الهند ونزاعها مع باكستان، لكنها استطاعت أن تجد طريقا تدير فيه بحكمة مصالحها دون الاصطدام مع العالم، وتستفيد مما يحدث فيه من تطورات.