أين الخليج.. وأين إيران؟

TT

دون مقدمات، تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، الأخيرة ضد دولة الإمارات، ينطبق عليها: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت!».

الناطق الإيراني حذر وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، من أن يشبه احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث باحتلال إسرائيل لأرض عربية، لأنه، كما قال الناطق الإيراني: «في حال صحة صدور هذه التصريحات، فإننا نشعر بأنه سيكون من الصعب السيطرة على مشاعر الشعب الإيراني تجاه هكذا تصريحات غير مدروسة».

كان بودنا أن نصدق أنه بالفعل يدرك «مشاعر» الشعب الإيراني، إلا إذا كان يقصد بالشعب الإيراني ميليشيات الباسيج أو عساكر الحرس الثوري.

بدورنا نود أن نقترح عليه أن يصغي إلى أحد أبرز قادة الثورة الخضراء مير حسين موسوي الذي تحدث أخيرا عن أن الحكومة الإيرانية تضطهد المعارضين باسم الإسلام. ونقل موقع «كلمة» الإيراني عنه قوله إن «الطريق الوحيد لخروج إيران من الأزمة سيكون لكم (أيها الحاكمون) بتغيير مقاربتكم».

فأين مشاعر الشعب الإيراني التي يجب أن تخشى ويحذر منها؟ هل هي مشاعر الغاضبين الذي يملأون شوارع طهران بالسخط والاعتراض المتواصل منذ «تفويز» أحمدي نجاد، بشكل غير مباشر، بعد إصرار المرشد ورجال الحرس الثوري على ذلك، في حالة تشبه إصرار دمشق على «التمديد» للرئيس الموالي لها، إيميل لحود، رغما عن الجميع، وهو الحدث الذي استدعى سلسلة من ردود الفعل الغاضبة، والمنظمة في لبنان، رغم كل التحولات والانكسارات التي أصابت 14 آذار، لكن تظل دمشق، بسبب ذلك الإصرار العجيب على التمديد للحود، رغم وجود غيره من المرشحين من أصدقاء دمشق، هي الخاسر الأكبر من إطلاق طاقات الغضب والمقاومة على «اغتصاب» إرادة الجميع لصالح طرف واحد.

نفس الشيء، بشكل مقارب، حصل في إصرار المرشد ورجالات الحرس الثوري على منح كامل الدعم والمساندة لأحمدي نجاد، وعدم النظر أو الليونة في مطالب المعارضين لهذا الرجل الغارق في بخور الملاحم وتهويمات آخر الزمان. وهو ما ضاعف من حجم النقمة الشعبية، وأطلق شحنة غضب جديد و«طازج» في الشعب الإيراني استفاد منه «قدامى» الأعداء الداخليين لجمهورية الخميني، أو الأعداء الجدد.

رغم هذا الضجيج الذي تصم به آلة إيران الدعائية آذان المنطقة، وصخبها، وقرعها بالطبول، فإنها الأكثر عرضة للخطر وليس الآخرون.

نعني إيران (النظام الحاكم طبعا)، وليس الشعب الحي والمثقف، انظروا ماذا حل بسلطة النظام؟ يقاتل على أكثر من جبهة: خارجيا وداخليا، دوليا وإقليميا، شرقا وغربا، طرف يقاتل العالم دبلوماسيا من أجل تسويق مشروعه النووي باعتباره سلميا، أرسل وزير خارجيته متقي إلى فيينا وخاض مفاوضات مع وكالة الطاقة الذرية قالت الوكالة عنها إنها: «عقدت في مناخ عملي». لكن في نفس الوقت كان يطلق عروضه النارية في وجه الخليج «مضيق هرمز» في «مناورات الرسول الأعظم الخامسة»، زوارق وقطع بحرية وصواريخ وإيقاف سفن أوروبية لتفتيشها بحجة التأكد من سلامتها البيئية! كما يقول جنرالات الحرس الثوري، الحريصون طبعا على سلامة البيئة ونقاء الحياة البحرية والشعاب المرجانية الباهرة الجمال..

هذه العروض النارية البحرية موجهة بالدرجة الأولى إلى الدول المشاطئة لإيران على الضفة الأخرى من الخليج، وأقرب الدول الملاصقة لهذا المضيق هي سلطنة عمان ثم الإمارات، ومن هنا لم يكن عبثا هذه الحروب الكلامية بين الإمارات وإيران، وقديما قيل: فإن النار بالعودين تذكى / وإن الحرب مبدؤها كلام..

لا نقول إن هناك حربا، لا سمح الله، بل نقول إننا أمام حالة «تهويش» بالحرب، وأحيانا قد تحصل، من وراءا التخويف بالشيء، على مكاسب أثمن وأكبر من حصول ما يخوف به ذاته!

تاريخ إيران مع أهل الخليج تاريخ متأزم، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم أو إيديولوجيته، منذ أيام الصفويين والقاجاريين والبهلويين وأخيرا الخمينيين. هناك حالة تطلع دائم إلى مد النفوذ إلى هذا الفضاء الحيوي، إما بسبب التمدد الطبيعي لفائض القوة أو بسبب الشعور بوجود فراغ سياسي ثقيل للسلطة، أو بسبب الشعور بأهمية اتخاذ مواقع متقدمة من باب «الأمن الوقائي» خصوصا وأن إيران الخمينية تنظر بحذر شديد، من قرب «الشيطان الأكبر» أميركا إلى حدودها، فهي تريد مشاغلته في مواقع متقدمة، وهنا أفتح قوسا للقول بأن الكره الشديد لأميركا قد يكون هو الصورة المقابلة لحب شديد، فأنت لا تكره شخصا بطريقة مبالغ فيها، إلا إذا كان قد خيب ظنك أو أحبط أحلامك فيه بشكل شديد، ومن هنا كانت فكرة عميقة لدى الانثروبولوجيين والميثيولوجيين عن أن فكرة «المقدس والمدنس» هما «وجهان لعملة واحدة».

هكذا قال لنا التاريخ، ولكن هذا لا يعني أن التاريخ ليس قدرا لا مفر منه، فالتاريخ في النهاية هو حصيلة تصرفات وعلاقات أهل الماضي، وهذه التصرفات والعلاقات والصراعات والتحالفات أفعال يقوم بها بشر تحكمهم إما مصالحهم أو عقائدهم أو ظروفهم المتغيرة باستمرار، وأهل الخليج الآن، ليسوا أهل الخليج في القديم، ليسوا عبارة عن بعير وخيمة ونخلة، وأناس فقراء وجهلة، كما يتخيل بعض «عنصريي» الجمهورية «الإسلامية»! عن سكان المنطقة، وهو ما يجعلهم يتكلمون دوما باستهتار عن مجتمعات ودول الإقليم الخليجي، مثل مستشار خامنئي، الإعلامي، شريعتمداري، فالخليج تعملق وكبر اقتصاديا وتعليميا وتفجرت طاقات سكانه، والأهم أنها دول بدأت تأخذ شكلها وصيغتها العالمية بعد مرور عدة عقود على دوران عجلة النفط، وقيام اقتصادات جديدة لا تعتمد على النفط فقط، وفي نفس الوقت هناك أيضا تحولات هائلة وعميقة تحدث في المجتمع الإيراني، ستكون ذات أثر هائل، ليس على الإيرانيين فقط، أو على سياسات المنطقة، بل على الإسلام نفسه، كدين وحضارة وفكر، فالذي يتابع الحركة النقدية الفكرية والفلسفية التي يقدمها كبار مفكري وفلاسفة التيار الإصلاحي الإيراني مثل عبد الكريم سروش، يدرك المدى الأبعد الذي ينتظر المراقبون أن يصل إليه المنطاد الإيراني.

يبقى شيء مثير للعجب فعلا في أفكار بعض العرب السياسية تجاه إيران، فكثير من هؤلاء «المناضلين»، لا يشعرون بأي أهمية لمخاوف أهل الخليج، أو تقدير لدولهم وحرمة لأراضيهم، وكأن هذه الدول بلا حرمة ولا حق في الدفاع عن أراضيها، الدول فقط هي دول الشمال أو المغرب، أما دول الخليج فهي التي يجب عليها دوما أن لا تزعج المناضلين العرب بالحديث عن مخاوفها من أطماع إيران الحقيقية فيها، كل ذلك هراء في نظرهم، وكما قال منظرهم الأكبر (الأستاذ) فهو لا يرى إلا «فراغا» ما بين إيران ومصر، كل الدول الواقعة بين مصر وإيران، وطبيعي أن دول الخليج هي المقصود الأول، ليست إلا فراغا تنصب فيه فوائض القوة الإيرانية، التي يحبها الأستاذ، أو القوة المصرية، التي ينعى الأستاذ غيابها، وبقية التلاميذ يصفقون لكلام الأستاذ، والأغرب أن بعض دول الخليج ومنابرها وفضائيتها، تشارك في حفلة التصفيق هذه للأستاذ!

موقف الإمارات تجاه إيران موقف محق وصادق وشديد الوضوح، وتصريحات الشيخ عبد الله بن زايد تحمل اللغة الخليجية التي يجب أن تقال دوما، وبشكل موحد، لإيران، لغة تقول بوضوح: «كفى عبثا»، ويمكن أن يكون هناك رد مؤثر من هذه الدول على أضرار السياسة الإيرانية، أما الكلام «الوعظي» عن الأمة الإسلامية والوحدة حول قضية فلسطين، فهذا كلام لن يسترد الجزر المحتلة أو يدفع عنا غوائل هذه السياسات الثورية الإيرانية الضارة، وما تصريحات بعض مسؤولي إيران حول البحرين وسيادة إيران عليها عنا ببعيد..

تجاه إيران، يجب أن يكون جميع أهل الخليج «في الهم شرق».

[email protected]