احترام الشجرة والمرأة واجب

TT

للأسف ليس لدينا احترام كاف لا للشجرة ولا للمرأة - وأنا لا أذكر في حياتي كلها أنني قد ساهمت يوما في قطع شجرة، كما أنني لم أكسر يوما خاطر امرأة، أو حتى أفجعها في الظلام - وهذا هو الشيء الوحيد الذي أفتخر به في هذه الحياة.

ورغم أن بلادنا العربية أكثرها صحراوي قاحل، فإنه لا يحلو للبعض أكثر من التسلط على تلك الشجيرات العليلة لاجتثاثها من جذورها ليجعلها حطبا يستمتع بإشعاله ساعة أو بعض ساعة.

وكثير من العواصم العربية الكبيرة تقل فيها الحدائق العامة، وأحيانا تقطع الأشجار المعمرة بكل بساطة.

وسوف نقصر كلامنا اليوم عن الشجرة ونترك المرأة جانبا، وقد تحدث أحدهم عن شجرة (السيكويا) وهي من أضخم الأشجار وأطولها عمرا وتنمو في غرب أميركا، ولا يعرف عمر الشجرة هذه إلاّ من حلقاتها بعد أن تقطع، فالرقيقة منها تدل على السنوات العجاف، والعريضة تدل على سنوات الخصب، وبعض الحلقات تدل على ما لحق بها من حريق، ووضع لها (سيناريو) يقول:

حين كانت هذه الشجرة طفلة في عشيرتها، كان الرومان يومئذ في بلاد الشرق. ولقد كانت سنوات نمو سريع، فليس بين الشجر الذي يطلب لخشبه، شجرة تبلغ مبلغ السيكويا من سرعة النمو في المائة الأولى من عمرها.

وما انتصف القرن الميلادي الأول، حتى صارت هذه الشجرة ماردا جبارا، يزيد ارتفاعها على ستين قدما. فلما سقطت روما في أوائل القرن الخامس، كانت قد بلغت من الارتفاع 150 قدما، وبلغ قطر جذعها عشرة أقدام.

وفي أواسط القرن الحادي عشر كانت قد صارت ملكة بين شجر الغاب، وفي القرن الثالث عشر الميلادي، يوم وقع الإنجليز الوثيقة الكبرى كان الجزء الأملس من جذعها يبلغ مائة قدم، وكان رأسها يعبث بضباب البحر، على ارتفاع 250 قدما فوق سطح الأرض. وكانت لا تزال آخذة بأسباب النمو، وإن كان نموا بطيئا، يوم نزل الروس على شاطئ كاليفورنيا في سنة 1802، وبنوا بخشب السيكويا حصنا لا يزال قائما على مسافة 90 ميلا إلى الشمال من مدينة سان فرانسيسكو.

فلما دعا داعي الذهب في كاليفورنيا سنة 1849، جاء الناس يهوون بفؤوسهم الضعيفة على جذوع يبلغ قطرها ما يقارب خمسة عشر قدما، ومن الممكن أن تعبر من خلاله سيارة، وكان ارتفاع هذه الشجرة قد صار 300 قدم على الأرجح.

إلى أن جاءها بعضهم في أحد الأيام بمنشار تحركه آلة تدور بالبنزين، فنشرتها من قاعدتها. وفي ساعة من الزمان، هوت إلى الأرض شجرة استغرق نموها عشرين قرنا، فأحدث سقوطها رجّة كالزلزال، فتطايرت صحون وأكواب في منازل تقع على أربعة أميال من مكان سقوطها.

وقد تقتطع من شجرة واحدة أكواما من الخشب مجموع مساحتها 300 ألف قدم مربعة، فتكفي لبناء خمسة وعشرين منزلا في كل منزل منها خمس حجرات.

وقد مدت الخطوط الحديدية الأولى في كاليفورنيا على عوارض من خشب السيكويا، وهدهد أطفال المستعمرين الأول في مهود مصنوعة منه، وترى أعناب كاليفورنيا تعتق اليوم في براميل اتخذت منه.

وهكذا (20 قرنا) من النمو والصمود، تذهب دفعة واحدة خلال (20 دقيقة) - ولكن، هذه هي الحياة.

[email protected]