بين زئير الأسد وصياح الديك..

TT

هل يمكن لزئير الأسد أو لصياح الديك أو حتى لزمامير السيارات وضجيجها أن تكون فواصل إذاعية «شرعية» عوضا عن الفواصل الموسيقية..!

ليس في الأمر سخرية أو تهكم.

إنها معضلة حقيقية واجهت صحافيين وعاملين في مؤسسات إعلامية صومالية، بعد أن تلقوا إنذارات بضرورة التقيد بمعايير شرعية والامتناع عن بث الموسيقى في وسائل الإعلام.

أغلب من سمع بتلك القرارات ربما ابتسم لغرابتها، لكن الابتسامة تلك لن تطول لدى من تابع عبر بعض الشاشات أحوال بعض الإذاعات التي رضخت لقرارات المتمردين الإسلاميين. بدا ظاهرا أن العاملين على تنقية أصوات زئير الأسد لاستعمالها فواصل في نشرات الأخبار والبرامج يعملون بشكل آلى وغلب على ملامحهم القتامة والجمود. كيف لا يخاف الصحافيون في الصومال وهم يرون انتشار القتل، وكيف تمكن المسلحون المتشددون من إقفال إذاعتي «بي بي سي» و«صوت أميركا» بذريعة أنهما تروجان للغرب أو للمسيحية؟..

كيف لا يرتعب الصوماليون جميعا وهم يعيشون على وقع معايير فرضتها حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي اللذين أحكما السيطرة على جزء مهم من وسط وجنوب الصومال وأجزاء من العاصمة مقديشو، وهو ما أجبر إذاعات محلية على الإذعان تحت وطأة الخوف؟.

طالبانيو الصومال الذين نالوا رضا وشهادات حسن السيرة من ملهمهم زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن شرعوا بقوة السلاح والقتل الأعمى في فرض لائحة الممنوعات التقليدية التي سبق أن ابتدعتها «القاعدة» وحركة طالبان وتحاول اليوم استعادتها في أفغانستان.

من منع الأجراس في المدارس لأنها تذكر بأجراس الكنائس، إلى جلد النساء اللواتي يختلطن بالرجال أو يرتدين مشدات إلى الصدور، إلى قائمة طويلة باتت رتيبة لكنها دامية وحافلة بالخرافات والممارسات العنيفة والقتل العشوائي. أما حال المناطق التي تخضع لسيطرة القوات الحكومية فهو ليس بأفضل كثيرا.. ضاقت الدنيا بصحافيي الصومال، لا بل ضاقت بالصوماليين جميعهم.

الصومال الذي يعيش وضعا أمنيا يتجاوز بعنفه في أحيان كثيرة مناطق ساخنة كثيرة في العالم هو من المناطق الأكثر خطورة بالنسبة إلى الصحافيين الذي تكبدوا خسائر فادحة وفرّ العشرات منهم.

وبما أن صناعة الإعلام تتغير بسرعة، هناك عدد متنام من وسائل الإعلام التي تعتمد على مراسلين مستقلين خصوصا في مناطق الصراعات. تلك الشريحة باتت أكثر عرضة للخطر، إذ إن أكثر من 90 في المائة من الضحايا من الصحافيين هم المراسلون المحليون الذي يغطون قضايا حساسة.

الصحافة الزائرة ممنوع قدومها والصحافة المحلية لن تستطيع ملء الفراغ بحكم تكبيلها بالاعتبارات المحلية سياسية ودينية وثقافية وبالتالي أمنية. الصومال خارج المشهد إذاً.

لا أخبار منه سوى تلك السواتر عبر الوسائل غير التقليدية أي «تويتر» و«فايس بوك» لكن حتى هذه مكبلة في الصومال بالاعتبار التكنولوجي المنعدم.

المهمة إذاً أصعب بكثير من تلك التي كابدها الإيرانيون في محنتهم الأخيرة، وإلى أن تنجلي السياسات والمصالح قد لا يجد الصوماليون خيارا سوى الإنصات لزئير الأسد بعد أن باتت حياتهم غابة فعلية.

diana@ asharqalawsat.com