الداء والدواء

TT

نسمع كل يوم عن شتى الدراسات والتقارير التي تدور حول الإرهاب وشخصية الإرهابي. المطلوب في الواقع ليس دراسة ظاهرة الإرهاب في شخصية الإرهابي وإنما في شخصية غير الإرهابي. خطر لي ذلك بعد زيارتي لصديق مسلم مسالم ملتزم بأركان وشعائر الإسلام المعتدل. وكان أبعد ما يكون عن دنيا الإرهاب والعنف، يخاف ربه مثلما يخاف الشرطة ومفتش الضريبة. أدى صلاة المغرب ثم لملم سجادته وجلس معنا. استمعنا إلى نشرة الأخبار التي تضمنت أنباء توقف حركة النقل الجوي في عموم أوروبا بسبب الغبار البركاني الذي ساد أجواء المطارات بسبب الانفجار البركاني في آيسلندا. سمع ذلك ثم بدت على وجهه بشائر البهجة والرضا، فتمتم قائلا: «حيل! هذا انتقام من الله!».

تأملت في هذه الكلمات الساذجة التي انطلقت من لسان مسلم مسالم بسيط. كان لسانا عبّر بصورة عشوائية ساذجة عن ظاهرة الحقد الذي يشعر به معظم مواطني العالم الثالث من الشعوب البائسة، والمغلوبة على أمرها، نحو العالم الغربي المترف والمستهتر.

ساد الفقر والظلم أبناء الطبقة العاملة في أوروبا القرن التاسع عشر مما تدفقت صوره في أعمال إميل زولا وشارلز ديكنز وفكتور هوغو وغيرهم من الأدباء، وفي لوحات فان غوخ ودوميير وميليه. بيد أن المسؤولين لم يهبوا لمعالجة الموضوع، فاجتاحت الثورات والانقلابات والاغتيالات السياسية والحروب الأهلية القارة الأوروبية واحتاجوا إلى حربين عالميتين ليتنبهوا للأمر ويهبوا لمعالجة الأسباب. رفعوا الحيف عن المستضعفين والمحرومين بسلسلة من الضمانات والتشريعات الاجتماعية. وها نحن نرى اليوم هذا الرخاء والأمن والسلام والاستقرار الذي يرفل فيه المجتمع الغربي. ليس هناك الآن من يفكر في الثورة أو التأميم أو إسقاط النظام القائم أو اغتيال الساسة. لم يفكروا حتى في محاسبة مديري البنوك عما نهبوه وتسببوا به من أزمة عالمية بسبب جشعهم. الدنيا بخير.

ما واجهته أوروبا محليا يواجهه العالم الآن عالميا. انتقل الشعور الطبقي المحلي إلى شعور طبقي عالمي. هناك طبقة الشعوب المترفة وطبقة الشعوب المستضعفة. وعلى غرار مشاعر الحقد والنقمة والثورة التي غلت في صدور أبناء الطبقة العاملة في أوروبا وتمخضت عن كل تلك الثورات والاضطرابات والحروب، تغلي اليوم مشاعر مشابهة في نفوس الشعوب الفقيرة. «حيل!»، قال صاحبي عن سحب الغبار البركاني، هذي كلها نقمة من الله!

من يدري؟ لن أعجب إذا ما سمعته يردد نفس الكلمات عندما يبلغه نبأ قنبلة تنفجر في شبكات المترو أو الباصات.

احتاجت أوروبا إلى نحو قرن من الزمن لتفيق إلى مشكلة الفقير والغني وترفع الحيف عن المحرومين والمظلومين فيعم السلم والاستقرار. كم يا ترى ستحتاج لتفيق إلى هذه المشكلة العالمية النطاق، كل هذه المشكلات التي تسبب بها في الواقع الأوروبيون أنفسهم، الحيف عما أصاب الفلسطينيين من ظلم، الفوضى التي يعيشها أبناء الصومال، الفساد الذي يجتاح العراق، الجوع الذي يعانيه منتجو القهوة والكاكاو والقطن والسكر؟