حانت اللحظة الأفغانية الحاسمة: على أوباما أن يقرر ما إذا كان سيتحدث إلى طالبان

TT

قبل أن يصل الرئيس حميد كرزاي إلى واشنطن الشهر المقبل، على الرئيس الأميركي باراك أوباما اتخاذ عدد من القرارات الحيوية المرتبطة بالحرب وصنع السلام في أفغانستان.

تعتقد دول مجاورة وغالبية الأفغان أن مرحلة وضع اللمسات النهائية على حقبة ما بعد الوجود الأميركي في أفغانستان قد بدأت. وأمام قرار زيادة القوات الأميركية في أفغانستان 14 شهرا فقط لإظهار نتائج إيجابية، تستعد واشنطن في الوقت ذاته للبدء في سحب قواتها في يوليو (تموز) 2011 وتسليم زمام الأمور للحكومة الأفغانية. وبالفعل، بدأت جهود السعي لضمان الهيمنة المستقبلية على أفغانستان من جانب باكستان والهند وإيران، بل وروسيا. وحاليا، يساور شعور بالإحباط كثيرا من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الراغبة في سحب قواتها في أقرب فرصة ممكنة. على مستوى المنطقة، يبدو واضحا أن على جانب ما الاضطلاع بالوساطة مع جماعة طالبان، بيد أنه في ظل غياب القيادة الأميركية، تدور منافسة شرسة حول: على يد مَن ومتى وكيف وأين تجري هذه الوساطة؟

وقد نشأ الخلاف الأخير بين البيت الأبيض وكرزاي - الذي يرجع جزء من الفضل وراء انحساره إلى الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الدولية في أفغانستان - في الجزء الأكبر منه من شعور كرزاي المتنامي بخيبة الأمل تجاه القضايا التي اتسمت إدارة أوباما إزاءها بالغموض.

طبقا لما ذكره مسؤولون أميركيون وأفغان، فإن أول سؤال سيطرحه كرزاي لدى وصوله إلى واشنطن سيكون حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تؤيد جهوده للمصالحة مع كبار قيادات طالبان. في يناير (كانون الثاني)، اتفقت واشنطن و«الناتو» على مبدأ إعادة الدمج - بمعنى استيعاب الجنود العاديين والقيادات من المستويات السفلى من طالبان - لكن واشنطن رفضت فكرة المصالحة الكاملة، مؤكدة رغبتها في إلحاق الضعف بطالبان على الصعيد العسكري خلال الفترة بين الأشهر الـ6 والـ12 القادمة قبل التفكير في الدخول في محادثات مع قادتها.

في المقابل، عكف ممثلو كرزاي على مدار الأشهر الـ12 الماضية على عقد اجتماعات بشأن الدخول في محادثات مع كبار ممثلي طالبان في كثير من الدول العربية الخليجية. من ناحيتهم، أوضح قادة طالبان رغبتهم في الحديث مباشرة إلى واشنطن، ويدرك كرزاي جيدا أن محادثاته مع طالبان ليس بمقدورها المضي لما هو أبعد من ذلك من دون تأييد أميركي معلن والتزام بالمشاركة. إن الأفغان في حاجة إلى إجابة واضحة من قبل واشنطن تفيد بأنهم سيتولون قيادة أي مفاوضات أخرى.

من المقرر أن يتناول كبار مسؤولي الإدارة الأميركية هذه المسألة، لكن من الواضح أنهم منقسمون على أنفسهم في هذا الشأن، ومن بين نقاط الخلاف كيفية رد فعل الناخبين الأميركيين حيال دخول واشنطن في محادثات مع طالبان. ومع ذلك، يأمل كرزاي في أن تتخذ واشنطن قرارا إيجابيا بحلول موعد زيارته إليها. الواضح أن القضية ازدادت تعقيدا بسبب عزم الجيش الباكستاني الاضطلاع بتوجيه أو حتى الهيمنة على عملية السلام، بدلا من تركها للأفغان.

الملاحظ أن باكستان تملك في يدها كثيرا من البطاقات: قادة طالبان وأسرهم يعيشون في باكستان وعلى اتصال وثيق بالمؤسسة العسكرية والاستخبارات هناك، إضافة إلى أن بعض حلفاء طالبان، بما في ذلك الشبكة التي يتزعمها جلال الدين حقاني، على صلة أوثق بالاستخبارات. على الرغم من أن المؤسسة العسكرية الباكستانية شرعت مؤخرا في تعقب طالبان الباكستانية داخل المناطق القبلية الواقعة شمال غربي البلاد، فإن طالبان الأفغانية والمتطرفين الباكستانيين في البنجاب لم يمسسهم أحد.

أظهر القبض على الملا عبد الغني برادر، الرجل الثاني في حركة طالبان، في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في كراتشي والاعتقالات غير المفسرة لعدد من القادة الآخرين في حركة طالبان وإطلاق سراحهم في وقت لاحق، لكابل وواشنطن مدى نفوذ الجيش الباكستاني.

ويخشى كرزاي ومعظم القادة الأفغان من أنه إذا انتظرت واشنطن كثيرا قبل اتخاذ القرار بشأن التحدث إلى طالبان، فإن السيطرة ستسقط في أيدي وكالة المخابرات الباكستانية كما حدث في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عندما تخلت واشنطن عن أفغانستان لصالح روسيا وباكستان، لكن وكالة المخابرات الباكستانية تدخلت وكانت غير قادة على إنهاء الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية.

ويعارض جميع الأفغان تقريبا، بما في ذلك أنصار كرزاي من البشتون والتحالف الشمالي غير البشتوني وحتى حركة طالبان، أي دور رئيسي لوكالة المخابرات الباكستانية، ويعارض ذلك أيضا معظم القوى الإقليمية، خاصة الهند وإيران وروسيا والجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى.

وعندما زار كرزاي إسلام آباد في العاشر من شهر مارس (آذار) الماضي ليكتشف السبب وراء اعتقال الملا برادر، أخبره الجنرالات الباكستانيون بصراحة، وفقا لمسؤولين أفغان، أن الأميركيين على وشك الرحيل وأنه إذا أراد مساعدة باكستان في حل القضايا مع طالبان، فعليه أولا إغلاق القنصليات الهندية في قندهار وجلال آباد. وينكر المسؤولون الباكستانيون تهديد كرزاي ويصرون على أنهم يريدون أفغانستان التي تتمتع بالسلام والاستقرار بمجرد مغادرة الأميركيين. بيد أن مصادر أخرى أكدت أنه تم إيصال مثل هذه التحذيرات.

وتعد باكستان على قناعة بأن كرزاي يسمح للهند بتقويض مناطق على الحدود الغربية مع باكستان من خلال أربع قنصليات في أفغانستان وطالبت أفغانستان بإغلاق هذه القنصليات.

وبالنسبة للوصول إلى أفغانستان ذات سيادة، فهذا مطلب مستحيل، لكنها فقط المناورة الأولى في اختبار الإرادات الذي يلوح في الأفق. دفعت المناورات الباكستانية الهند إلى محاولة إعادة تنشيط تحالفها في تسعينات القرن الماضي مع إيران وروسيا آسيا الوسطى، وهو التحالف الذي دعم التحالف الشمالي السابق في الحرب الأهلية ضد نظام حكم طالبان، الذي كان مدعوما من قبل باكستان.

وقد سيطر الجيش الباكستاني عمليا على السياسة الخارجية وعملية صنع القرار الاستراتيجي، التي كانت في أيدي الحكومة المدنية. لذا تعكس السياسة الخارجية الباكستانية هوس الجيش بالهند.

وتحرص المنطقة والدول الأعضاء في حلف «الناتو» على سماع قرار من واشنطن بشأن التعامل مع طالبان. هناك حاجة إلى قرار أميركي قبل وقوع مزيد من التصعيد في التوترات بالمنطقة. يجب على إدارة أوباما إظهار قدر أكبر من الوضوح بشأن التحدث إلى طالبان إذا ما كان على الولايات المتحدة وحلف الناتو مساعدة الأفغان على تنظيم أي حوار مستقبلي مع طالبان وإذا كان لا يتحتم على الأفغان الشعور بأنه تم التخلي عنهم لنزوات الدول المجاورة مرة أخرى.

* صحافي باكستاني ومؤلف كتاب «السقوط في الفوضى: الولايات المتحدة والكارثة في باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى». وتم تحديث كتابه «طالبان» وأعيد إصداره الشهر الحالي.

*خدمة «واشنطن بوست»