التفاوض مع نتنياهو.. والرهان على أوباما

TT

لافت طابع التفاؤل الطاغي على موقف السلطة الفلسطينية من عملية استئناف محادثات السلام غير المباشرة مع الإسرائيليين، رغم أنه لا يستند إلى أكثر من «تلميح» أميركي للرئيس محمود عباس بأن إسرائيل ستمتنع عن تنفيذ «خطوات مستفزة» (حسب المصادر الفلسطينية) و«إجراءات ذات مغزى» (حسب المصادر الإسرائيلية) في القدس الشرقية طيلة فترة المحادثات. باستثناء ما ذكرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية (عدد 26/04/2010) عن أن «مسؤولين إسرائيليين» في بلدية القدس ذكرا أن إسرائيل جمّدت البناء في القدس الشرقية «رغم تأكيد نتنياهو العكس»، وباستثناء تسريب مصادر فلسطينية خبرا عن «تجميد» مؤقت للبناء في القدس الشرقية لا تتجاوز فترته الأربعة أشهر نقضه كشف «الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات» عن مخطط إسرائيلي جديد لبناء 321 وحدة استيطانية في حي الشيخ جراح، اختارت السلطة الفلسطينية أن تتفاءل بالخير.. علها تجده في المفاوضات. ولكن إلى أي مدى يمكن تبرير التفاؤل الفلسطيني، ومصدره الرئيسي معطيات غير إسرائيلية، وتحديدا «تلميحات» أميركية لا ترقى إلى مرتبة الوعود حتى وإن صحت، فالرئيس الأميركي الذي دعا محمود عباس إلى محادثات في واشنطن الأسبوع المقبل، لم يستطع أن يحصل من بنيامين نتنياهو على أي التزام علني، وواضح، بوقف عمليات البناء في القدس الشرقية. وإن صحت «تسريبات» المصادر الفلسطينية عن «تجميد» إسرائيلي للبناء لفترة لا تتجاوز الأربعة أشهر فإن مجرد ربط هذا القرار بسقف زمني يعني أن «تسريبه» استوجبته مقتضيات المرحلة وليس متطلبات التسوية السلمية. باختصار، وبعملية حسابية بسيطة، ما تنوي السلطة الفلسطينية ممارسته في هذه المرحلة الدقيقة من مسار - ومصير - التسوية السلمية هو: التفاوض مع نتنياهو.. والرهان على أوباما.

بأي منطق واقعي قد تكون هذه المعادلة أفضل الممكن حاليا.. ولكنها معادلة تربط التسوية - بشكل غير مباشر - بموقع أوباما «السياسي» على الساحة الأميركية، وهو موقع ثبُت أنه لا يخلو من تقلبات مفاجئة.

حاليا، يبدو وضع الرئيس أوباما «الشعبي» في الشارع الأميركي واعدا، فقد خرج منتصرا من معركة الرعاية الصحية، ومشروعه لتنظيم القطاع المالي يحظى بتأييد واسع، والاقتصاد الأميركي عاد إلى حالة استقرار والبيانات الأميركية تتحدث عن بدء تعافيه هذا العام.

إذن، الرياح الأميركية الداخلية تجري بما تشتهيه سفن أوباما.. ومع ذلك تعطي استطلاعات الرأي الأميركية صورة قاتمة عن وضع الإدارة الديمقراطية: نسبة التأييد لسياسات الرئيس (ما يعرف في الولايات المتحدة بـ Approval Rating) تدنت، هذا الأسبوع، إلى حدود الخمسين في المائة فيما التأييد العام لحزب الديمقراطيين بلغ أدنى مستوياته. تراجع شعبية أوباما قد يكون ظاهرة مؤقتة سيخرج منها معافى.. وقد يكون أول الغيث في مسيرة تدهور طويلة إذا صحت توقعات الكثير من الأميركيين بأن مشكلاته الداخلية ستتنامى في حال إقدامه على زيادة الضرائب لتمويل مشروعه المكلف للرعاية الصحية.

عندئذ لن يكون مستبعدا أن تستأثر مشكلات الوضع الأميركي الداخلي بأولوية اهتمامات الرئيس أوباما، بحيث يصبح التزامه بالتسوية السلمية في الشرق الأوسط ترفا لإدارته، لا مكافأة تاريخية، خصوصا وأن حزبه سيواجه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل استحقاق الانتخابات النصفية (Mid Term) لمجلسي النواب والشيوخ هي انتخابات يعمل الجمهوريون على أن تكون نتيجتها الأولى فقدان الديمقراطيين لأكثريتهم الحالية في الكونغرس. لذلك تبدو الأربعة أشهر المقبلة وكأنها السقف الزمني للتفاؤل الفلسطيني بدور مؤثر لأوباما في التسوية السلمية وفترة السماح المتوقعة من نتنياهو قبل فشل المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ما يضع الجانب الفلسطيني في سباق غير محسوب مع تقلبات المزاج الانتخابي الأميركي.

ومع التسليم بتأكيد وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، لـ«الشرق الأوسط» (عدد 26/04/2010) بأن باراك أوباما «صادق في جهوده لإيجاد حل للقضية الفلسطينية»، يبقى السؤال، كما قال أبو الغيط، «هل تتجاوب إسرائيل معه».. وفي الوقت المواتي بالنسبة «لشعبيته» في الشارع الأميركي؟