الصحة الإلكترونية: آفاق وتحديات.. التجربة السعودية نموذجا

TT

مع التطورات الهائلة والمتسارعة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تتسابق دول العالم حاليا نحو التوجه لتطبيق أنظمة الصحة الإلكترونية، التي تبشر بآفاق واعدة في تحسين والارتقاء بخدمات الرعاية الصحية للأفراد والمجتمعات. ومفهوم «الصحة الإلكترونية» (E - health) يعني باختصار استخدام أحدث أساليب تقنية المعلومات والاتصالات في مختلف المجالات الصحية مثل جمع وتخزين واسترجاع وتحليل وإدارة المعلومات، وتوحيد السجلات الصحية الإلكترونية، ونشر وتبادل المعلومات الطبية عن بعد، والعمليات الجراحية والرعاية الصحية عن بعد، والبطاقات الصحية الإلكترونية الذكية، والتصوير الرقمي، وذلك بهدف التواصل الجيد والفعال مع المرضى والارتقاء بالخدمات الصحية للمرضى والقطاعات الصحية المختلفة.

فعلى سبيل المثال، تحاول الدول الآن التخلي تماما عن أنظمة السجلات الصحية الورقية التقليدية واستبدال الأنظمة الإلكترونية بها، وتعد البطاقات والسجلات الصحية الإلكترونية «HER» (Electronic health record)، أحد أهم أنظمة الصحة الإلكترونية المتطورة، فمن خلالها يمكن السماح بمشاركة معلومات وبيانات المرضى إلكترونيا بسهولة وفاعلية وجودة أكثر بين الأطباء والمؤسسات الطبية، وتدوين كل ما يحتاجه المرضى ويقدم لهم من تقارير طبية وتاريخ مرضيّ وأدوية وأشعة وتحاليل وإجازات مرضية، الأمر الذي سيساعد على الاستغناء عن أقسام كثيرة في القطاعات الصحية مثل أقسام التقارير الطبية، والسجلات الطبية، بما تضمه هذه الأقسام من سجلات وملفات ورقية كثيرة تحتل مساحات كبيرة، وما تحتاجه من موظفين لمتابعتها وإدخالها واستخراجها، الأمر الذي سيوفر في النهاية عوائد ضخمة على قطاع الرعاية الصحية في الدولة، الذي يقع اليوم تحت أعباء وضغوط كثيرة للقيام وبفاعلية باستمرار بتقديم خدمات صحية ذات جودة عالية ومنخفضة التكاليف.

ولهذا يعد نشر الوعي المجتمعي بأهمية مجال تقنية المعلومات الصحية ودورها الفعال في رفع كفاءة الأداء وتحسين جودة ونوعية الخدمات الصحية في الكثير من مؤسسات الدولة الصحية، من القضايا العاجلة التي تتطلب الاهتمام حاليا.

وتكتسب مؤتمرات الصحة الإلكترونية أهمية خاصة في التوعية بهذا المجال، باعتبارها فرصة مهمة للتعرف على الاتجاهات والتقنيات الحديثة، ولتبادل المعلومات والخبرات واستعراض التجارب الدولية وقصص النجاح في مجال التقنيات المعلوماتية والخدمات الصحية الإلكترونية، بهدف الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية.

ويعد «المؤتمر السعودي للصحة الإلكترونية»، وموقعه الإلكتروني (www.saudiehealth.com)، أكبر حدث متخصص في مجال الصحة الإلكترونية تشهده منطقة الشرق الأوسط، وسيعقد هذا العام خلال الفترة من 2 إلى 4 مايو (أيار)، في العاصمة السعودية (الرياض)، وتنظمه الجمعية العلمية السعودية للمعلوماتية الصحية، بالتعاون مع جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، وبرعاية كريمة من الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة والرئيس الفخري للجمعية السعودية للمعلوماتية الصحية. ومن بين الموضوعات الكثيرة المهمة التي سيتناولها المؤتمر هذا العام: استراتيجيات الصحة الإلكترونية الوطنية، والمعلوماتية الصحية التطبيقية من وجهة نظر الممارسين الصحيين، وآراء حول تطبيق الملف الطبي الإلكتروني الموحد، والرعاية الصحية الذكية، والجاهزية للصحة الإلكترونية، والمعلومات الصحية والصحة العامة.

ورغم الآفاق الواعدة التي سيحققها تطبيق أنظمة الصحة الإلكترونية في القطاعات الصحية في عالمنا العربي، فإن هناك الكثير من التحديات التي تواجه تطبيقها، ومنها: نقص الميزانيات المخصصة لمشروعات الصحة الإلكترونية والكفاءات القادرة على التعامل بفاعلية مع أنظمة الصحة الإلكترونية، وافتقار الكثير من القطاعات الصحية إلى البنية التحتية لتقنية المعلومات واختلاف أنظمة الترميز الطبي الإلكترونية وأنظمة المعلومات الصحية في الكثير من المراكز الصحية، التي تساعد جميعها الإدارات الطبية في أداء أعمالها بصورة إلكترونية منظمة ومترابطة ومتكاملة، فما زال أغلب مزودي الخدمات الصحية في عالمنا العربي يستخدمون أنظمة السجلات والملفات الطبية الورقية، ويمكن القول إنه رغم سهولة شراء أحدث تقنيات المعلوماتية الصحية، إلا أنه من الأهمية التدريب والتأهيل الجيد للقيادات والهياكل الإدارية والطبية والفنية على تعلم هذه التقنيات وكيفية التعامل معها بكفاءة، ومن بين التحديات أيضا افتقار الكثير من القطاعات الصحية إلى التخطيط والتنسيق الاستراتيجي لأنظمة المعلوماتية الصحية، الأمر الذي يشتت الجهود ويصعب من عملية الترابط والاستفادة من تلك الأنظمة والتوصل لنظام ملفات صحية إلكترونية موحدة.

ومن المهم هنا أن نشير ونشيد بالتجربة السعودية نحو التوجه لتطبيق أنظمة الصحة الإلكترونية، وذلك من خلال الإنفاق الحكومي الضخم والمتزايد من قِبل حكومة خادم الحرمين الشريفين على مختلف القطاعات ومنها القطاع الصحي، وكذلك مبادرة البرنامج الوطني للصحة الإلكترونية التي تتبناها وزارة الصحة السعودية، ومبادرتا جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، وهما: مبادرة تأسيس برنامج الماجستير في المعلوماتية الصحية، كأول برنامج في المملكة والشرق الأوسط، والحاصل على اعتراف دولي من قبل «المنظمة الدولية للمعلوماتية الصحية «في جنيف، وكذلك مبادرة إنشاء الجمعية العلمية للمعلوماتية الصحية عام 2005، تحت الإشراف المباشر من الجامعة لتطوير المعارف والدراسات النظرية والتطبيقية حول هذا المجال، وكذلك إطلاق الجمعية لمبادرة برنامج الصحة الإلكترونية (مبادرة صحية)، وقد انعكس كل ذلك على النمو الملحوظ في سوق تقنيات المعلوماتية الصحية في السعودية والبدء في تطبيق الأنظمة الصحية الإلكترونية في المستشفيات الحكومية والخاصة، واستبدال سجلات إلكترونية بالسجلات الصحية الورقية، وتوظيف أحدث التقنيات الطبية وطب الاتصالات في العمليات الجراحية والتعاملات الصحية الإلكترونية.

الخلاصة، مع التوجهات العالمية المتزايدة نحو مجتمع المعلوماتية التطبيقية والحكومات الإلكترونية، أنه آن الأوان لعالمنا العربي للاستفادة الحقيقية من النظم الحديثة في مجال التقنيات المعلوماتية والخدمات الصحية الإلكترونية، والتخلص من نظم السجلات الطبية الورقية التقليدية الضخمة في مؤسساتنا الصحية واستبدال أنظمة إلكترونية متطورة بها، لتحقيق الجودة الصحية والارتقاء بالخدمات الصحية للمرضى.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية