يا خبر بفلوس.. بكرة بفلوس أكتر!

TT

المجلات القديمة كانت دائما مليئة بصفحات بريد القراء، وهي عبارة عن رسائل مختلفة يختصرها المحرر ومعها مجموعة من الصور الفوتوغرافية لقراء أيضا، في لقطات هي أشبه بصور من مخافر الشرطة، يعرف فيها القارئ عن نفسه وعن عمره وعن عنوانه، ويذكر فيها هواياته، وغالبا ما تكون هذه الهوايات هي القراءة والتعارف. وكلمة «التعارف» هذه كانت دائما تلفت نظري وتثير فضولي، ما هذه «الرغبة» الكامنة في النفس البشرية التي تدفع «غريبا» إلى أن يعلن عن نفسه في منبر عام كمجلة، وعن رغبته «الخاصة» في التعارف مع أي أحد من القراء؟ وبعدها في الولايات المتحدة الأميركية شاهدت كيف كان الأميركيون والطلبة العرب المبتعثون، وهم يلعبون بجهاز الاتصال اللاسلكي القديم المعروف بالـC.B وهو يخترق الأثير ليتنصت على سائقي الشاحنات الكبيرة وسيارات الشرطة وعبر نداء متصل من مشغل الجهاز يستطيع الدخول في حوارات وأحاديث مع «غرباء»، يتبادلون الآراء والنصائح والمعلومات. وطبعا تطورت هذه المسائل لتصل اليوم إلى عصرنا الحالي فنشاهد الملايين من المنضمين للمجتمعات الافتراضية عبر المواقع الاجتماعية الكبرى التي تكون فيها الصداقات الافتراضية، ومن خلالها تبنى المجاميع ذات الاهتمامات المتشعبة والمختلفة في شتى المجالات الجادة منها والخفيفة أيضا مكونة، بالتالي، أنواعا جديدة من الولاءات والانتماءات التي تكون أحجاما «عددية»، ولكن دون تأثير ملموس في الشارع.. حتى الآن. هذه المواقع آخذة في التطور والتحسن، وبالتالي الزيادة في فعاليتها، وهي اليوم تؤثر في الحراك السياسي والاقتصادي، فهي تشكل قوى «تظاهر» واحتجاج كما حصل في إيران، وقوى مقاطعة كما حدث مع تجار السيارات في السعودية، وقوى اجتماعية كما حدث مع معاكسة السيدات في مصر، وغيرها من الأمثلة.

وتنضم الآن للمواقع الاجتماعية المختلفة مثل «فيس بوك» و«ماي سبيس» مواقع التواصل الفوري مثل «تويتر» وأشباهها، وهي تقدم أخبارا ومعلومات و«تطوير مواقف»، في حد أقصى من الكلمات يبلغ 164 كلمة، فتستطيع التعرف على أخبار بلدك المفضل أو قضيتك الأهم أو نجمك المميز أو فريقك الرياضي الأكثر أهمية وهكذا، وتصلك السطور من الموقع على بريدك الإلكتروني أو على جوالك في رسالة (والآن باتت الأجهزة الهاتفية الذكية الجديدة تستقبل البريد الإلكتروني أيضا!)، والمعلومة تصل في ثوان قبل أن تكون مادة خبرية رسمية على موقع إخباري أو عبر وكالة إخبارية أو صحيفة، وهذا سيعزز من نشر الكذبة ونشر المعلومة ونشر الإشاعة ولا شك. العالم مقدم على شلالات المعلومات وفيضانات الأخبار وستزول الحدود بين الخبر والمعلومة والإشاعة. لن يستطيع الناس أن يفرقوا بكفاءة بينهم وستختلط المسائل عليهم، وخصوصا في ظل «حجم» و«كثافة» ناقلي الخبر ومردديه، وهذا سيكون فوق قدرات الوزارات وأجهزة الرقابة بكثير. هذه منطقة جديدة وغير مسبوقة وحقل التجارب القانونية والنظامية لا يزال بكرا، ولكن كل هذه الوسائل تكبر من المجتمعات الافتراضية وتلغي بالتدريج مفهوم الخصوصية والحواجز المانعة للفرد والدولة وبالتالي اضمحلال مفهوم السيادة التقليدي. أخبار مهولة يتم تناقلها بالرسائل القصيرة الهاتفية، وغيرها بالبريد الإلكتروني، وأخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعية، والآن أعداد مهولة آخذة في الانتشار عبر مواقع «التويتر» الحديثة لتكون هي منابر العصر ولسان حاله، تابع الكثيرون أحداث إقالة واستقالة مسؤولين ونتائج انتخابات وأخبار الطقس والرياضية والاقتصاد بشكل أسرع من الخبر نفسه. سبحان الله.. والقادم مذهل أكثر! كلها فرص اقتصادية كونت ثروات للبعض ومرشحة أن تكون ثروات أكثر لغيرهم! إنه الاقتصاد الجديد في أقوى صوره..

[email protected]