دولة الحدود المؤقتة

TT

مصطلح إسرائيلي، أسسه شارون وورثه عنه أكثر رؤساء الوزارات في إسرائيل مرونة وأقلهم إنجازا.. إيهود أولمرت.

رفض هذا المصطلح فلسطينيا.. تحت تفسير بسيط.. مفاده.. «مع إسرائيل لا ضمانة أن يتحول المؤقت إلى دائم».

ونظر إليه أميركيا بقدر من الحذر بحكم رفض الفلسطينيين والعرب له، إضافة إلى عدم استعداد واشنطن الدخول في عنوان جديد لم تتضمنه «كمصطلح مباشر» خطة خارطة الطريق، ولا أنابوليس التي صممت لإخراج خطة خارطة الطريق من الثلاجة، ووضعها موضع التطبيق كسهم أخير أطلقته إدارة جورج بوش الابن، قبل مغادرتها المسرح بوقت قصير.

إعادة هذا المصطلح للتداول، في هذه الأيام، ومن قبل بنيامين نتنياهو الذي يتاجر بموافقته المبهمة على حل الدولتين، ينبغي ألا ينظر إليه على أنه مجرد مناورة، تستند إلى الرفض الفلسطيني المضمون والمسبق، بل يجدر افتراض أنه مشروع جدي، تسعى إسرائيل إلى جعله أفضل المتاح في زمن الاستعصاء السياسي والتفاوضي شبه المطلق..

ودعونا لا ننظر إلى المصطلح من زاوية الرفض التلقائي، أو القبول وإنما من زوايا متعددة.

أولها: احتمال استمالة الوسيط الأميركي للنظر فيه، واعتماده كمخرج ممكن من الأزمة الراهنة التي هي أزمة مركبة تورطت فيها أطراف كثيرة وأهمها الولايات المتحدة والرباعية والدول العربية جميعا. إن احتمالا كهذا يجب أن يظل واردا وألا يستبعد لمجرد تصريح أميركي ينفي اعتماده، هذا إذا صدر التصريح أصلا.

وثانيها: احتمال أن تكون دولة الحدود المؤقتة هي سقف الحل المفروض الذي يجري الحديث عنه بين وقت وآخر ورغم النفي الأميركي لهذا الحل، فإن الفكرة في حد ذاتها تبدو في غاية الجاذبية، ما دامت تمنح الفلسطينيين بعض المزايا ولا تغلق الباب نهائيا أمام قضايا الوضع الدائم، ولعل ما هو أكثر إغراء لأميركا أن إسرائيل هي صاحبة الفكرة، وبالتالي لا مناص من أن تتعاون في تنفيذها.

ثالثها: احتمال أن ينفذ مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة تحت عناوين ومسميات غير مباشرة، وهذا هو الأقرب للواقع.

فهنالك أحاديث جدية عن حتمية تأجيل الخوض في القضايا المعقدة، مثل القدس.. والاستيطان.. واللاجئين.. والحدود.. إلخ. أي تركها بعيدا عن ضغط الزمن، وتعارض الأجندات، وصلت إلى حد التناقض ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، وإنما بين الإسرائيليين أنفسهم في الأساس، وبين الإسرائيليين والأميركيين.

إن تأجيل البت في القضايا الشائكة المسماة بقضايا الوضع الدائم مع الإلحاح على استمرار وضعها على أجندة الجهود السياسية الأميركية والدولية، لن يجد مسوغا منطقيا إلا بالذهاب إلى الحلول المؤقتة والجزئية، فمن السذاجة المفرطة أن يصل بنا التوقع إلى حد رؤية حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وامتداده العربي في فترة أوباما، إنما من الممكن أن يوضع القطار على قضبان الحل المؤقت كي يصبح منطقيا أن تكون المحطة التالية ولو بعد حين هي قضايا الوضع الدائم!

إن الولايات المتحدة وجميع أطراف الرباعية الدولية سوف يجدون أنفسهم قريبا، وليس بعد وقت طويل، أمام ضرورات الحلول المؤقتة المجتزئة والمتدرجة وهم بذلك لن يخترعوا حلا غير مسبوق، فلقد فعلوها حين حدث شيء كهذا بالضبط مع الفلسطينيين والإسرائيليين، تنفيذا لعملية أوسلو التي بدأت بانسحاب إسرائيلي لم يتجاوز الواحد في المائة وتدرجت لتصل فوق الأربعين في المائة بعد عدة سنين.

إن التخوف الفلسطيني والعربي من فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة.. له ما يبرره، بل إنه صحيح مائة في المائة، إلا أن مواجهته لا تكون بتلقائية جامدة، دون معرفة ما وراءها، وإنما بتوسيع دائرة تحليل المقترح وإقناع الأميركيين والأوروبيين ببدائله الأكثر واقعية وجدوى.

إن الفلسطينيين الذين جربوا هشاشة الانسحابات الإسرائيلية من مناطقهم وفق التصنيف السقيم المسمى ABC، وعرفوا بالتجربة، وليس بالاستنتاج أن إعادة احتلال مناطق هو أسرع كثيرا من أي انسحاب تم أو ربما يتم. لن يطمئنوا لأي ترتيبات لا تتضمن ضمانات قوية راسخة تجعل ما سيحصلون عليه مصونا وغير قابل للعبث فيه.. وهنا إما تعود الأمور إلى انسحابات متدرجة، ولكن موثقة ومبرمجة ومضمونة التنفيذ حتى يحصل الفلسطينيون على ما لهم، وإما أن يذهبوا عبر جهد سياسي مكثف تقوده الولايات المتحدة وتعاونها فيه أطراف الرباعية الدولية، إلى حسم الملفات جميعا. وهذا ما تحدثت عنه بالأمس القريب السيدة هيلاري كلينتون مع ضرورة التفكير مليا في عامل الزمن الذي لا بد وأن يطول إلى حدود لا متناهية، وهذا ما نخافه وما يجب التفكير في تفاديه!

* وزير إعلام سابق وسفير فلسطين السابق لدى مصر