تحشيش..

TT

هناك أزمة حشيش كبرى تضرب سوق الكيف في مصر.

أزمة للدرجة التي جعلت برنامجا حواريا جماهيريا مثل برنامج عمرو أديب يخصص حلقة لنقاش هذه الأزمة!

نشأت مجموعات إنترنتية للتآزر في وجه هذه الأزمة الكبرى، وقام بعض المحللين بتفسير ارتفاع منسوب الجدالات العامة في مصر في كل مجال، من السياسة إلى الرياضة إلى الصحافة، بسبب شح «الكيف» المهدئ.

هناك تعليقات ظريفة قرأتها في بعض مواقع مجموعات المناصرة وتدارس الأزمة، فيها من نكهة الحشيش والتحشيش، وجمالها أنها باللهجة المصرية.

هذا التعليق يقدم شيئا من تفسير حالة العصبية والحدة من منظور هذا النصير للكيف، يقول:

«حاسس إن حاجة نقصاني.. باكون متعفرت ومش علي بعضي.. أنا دماغي بتاكلني».

والثاني يهدد بالقوة العددية ويلوح بتشكيل جماعة ضغط، انسجاما مع أسلوب المرحلة:

«علشان الحكومة تعرف إننا مش قليلين في البلد».

أما هذا فيبث أشواقه ولواعجه الحرى:

«مستنيين الفرج والسوق يغرق تاني بكل أنواعك وأصنافك يا واحشنا».

وهذا الأخير كان عمليا أكثر من الجميع، ودعا إلى اتخاذ خطوة عملية لأنصار الكيف:

«هو الحشيش شوية في البلد ولاّ إيه.. يا ابني الحشاشين هيعملوا اعتصام».

لا يذكر الحشيش في العالم العربي إلا مصحوبا بالضحك وتوقع المفاجآت والمفارقات والتعليقات الخارجة عن العادة، ولذلك كان من المعتاد تصدير أي نكتة جذابة: فيه محشش قال.. إلخ.

ربما لأن الحشيش هو الشيء الوحيد الذي ينسي المواطن العربي واقعه الأليم، وحقيقة الإخفاق الذي يحيط به من كل جانب، سواء كان هذا الإخفاق بسبب سياسات حكومية عامة أو كان بسبب فشل شخصي لا علاقة له بالشأن العام، ويحاول صاحب الفشل نسبة فشله إلى سبب خارجي بعيدا عن نفسه، في الحالتين يلجأ «البعض» إلى «بناء مزاج وهمي» حتى يستطيع تقبل الواقع أو تخيل واقع آخر، من أجل ذلك نسبت أفعال فرقة الحسن بن الصباح في العصور الإسلامية الوسطى إلى مادة الحشيش، وقيل لهم «الحشاشون»، وفق تفسير ما لسبب تسميته بالحشاشين.

في أفغانستان هناك أكبر مصدر للمخدرات والحشيش في العالم، وحاليا يتهم حميد كرزاي بأنه يحمي كارتيلات المخدرات في بلاده، مما أثار نقمة أوروبا وأميركا عليه.

كأن هناك حالة ترابط بين غياب الوعي الحقيقي في هذه الحالات وكثافة حضور الوعي المزيف أو اللذة المفتعلة بمادة خارجية.

أحيانا لا يطيق الإنسان الصحو أو يقظة الوعي في لحظة ما أو مرحلة معينة، كما قلنا إما بسبب معاناة شخصية أو معاناة عامة، فيغرق في هذا العالم الافتراضي، كما قال، قبل عقود، الشاعر الكويتي الساخط، فهد العسكر، الذي توفي 1951 في قصيدته الرباعية:

ثم قالت ورذاذ المطر / طير الطير ولما يطر

هات بنت النخل لابن العسكر / لا يطاق الصحو في ذا البلد!

[email protected]