صواب الأقلية يتبين في القريب العاجل

TT

تبنى تشارلز بيترز، رئيس تحرير «واشنطن منثلي»، المحبوبة والمتعثرة ماليا في الوقت ذاته، والتي بدأت بها مشواري الصحافي، شعارا استخدمه في رسالة بريد إلكتروني حملت نبرة توسل، قال فيها «إن لم تكن متوجسا من الوصول إلى الحقيقة قبل الآخرين». لكن الجميع بالطبع يخشون من أن يسبقوا الآخرين في الوصول إلى الحقيقة. إنها العادة السيئة، في عدم الرغبة في الشرود عن القطيع، وألا تبدو وكأنك جشع، إذا ما استفدت من كونك حكيما في وقت يعاني فيه الآخرون نتيجة لغبائهم.

الناس يريدون أن يكونوا على صواب في الوقت الذي يكون فيه الجميع كذلك، ويتم تأجيل التصرف حتى تعصف الأزمة بقوة مدمرة.

لنأخذ على سبيل المثال قضية «غولدمان ساكس». فقد قالت «واشنطن بوست» على صفحاتها يوم الاثنين الماضي «سعى مصرف (غولدمان ساكس) إلى حماية نفسه من سوق عقارات متداعية عبر بيع استثمارات رهن عقاري كان يعلم أنها ستخسر». ويا له من شيء مخز. لماذا لم ينتظر ويحصل على العون مثل نظيره «ليمان براذرز»؟

عدو القطيع تجاه شفا الجرف كان لسبب واحد، وهو أن سلوك الطريق الآخر سيجعلك وحيدا ومنبوذا. خذ على سبيل المثال قضية السياسات الضريبية التي يمكن أن تحول دون الأزمة المالية الأميركية المتمثلة في العجز الفيدرالي المتضخم.

الإجابة المنطقية التي يراها غالبية الاقتصاديين هي الضريبة على القيمة المضافة، التي ستشجع الادخار في الوقت الذي ينخفض فيه العجز إلى مستويات يمكن من خلالها التعامل معه. لكن السياسيين مرعوبون من أن يكونوا قد أدركوا الحقيقة بهذا الشأن، وصوت مجلس الشيوخ بأربعة وثمانين مقابل 13 صوتا من أجل قرار يتهم الضريبة على القيمة المضافة بأنها زيادة ضريبية ستعوق العائلات ذات الدخل الثابت، وستعمل على تلاشي دلائلها السياسية.

ومع رفض الضريبة على القيمة المضافة، في الوقت الذي تكون فيه قادرة على وقف العجز الفيدرالي، سيحظى السياسيون بكل شيء عدا الضمانات بأن أزمة الدين، عندما تحل، ستكون أكثر تدميرا. لكن عندئذ سيصرخ الجميع من أجل الضريبة على القيمة المضافة لذا سيكون لا بد من التوقيع عليها.

المثال الخطر على هذا الكسل السياسي هو كارثة الدين اليوناني في أوروبا. والأميركيون لم يلقوا بالا لهذا (لأنها أوروبا)، لكنه تحول إلى شبح مخيف في الأسواق المالية.

اليونانيون المسرفون كانوا ينفقون أكثر مما ينتجون، ويقترضون لتغطية الفارق، وهو ما رفع الدين إلى الناتج الإجمالي المحلي الآن إلى 120%. الأكثر من ذلك أنه يبدو أن اليونانيين كانوا يعبثون بالأرقام، ويصدرون مراجعات منتظمة تظهر أن أزمة الدين سيئة بالفعل، ثم تراجع السياسيون الألمان الموقرون (الذين يملكون المال) عن حل الأزمة لأنهم يعلمون أن إنقاذ اليونان لن تحظى بتأييد من الشعب الألماني - على الرغم من أنهم يعلمون أيضا أنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن تمويلات الاتحاد الأوروبي يمكن أن تسقط هي الأخرى كفقاعة سيئة.

وقد تفاقم الألم المالي هذا الأسبوع، فلا يوجد مشترون للسندات الحكومية اليونانية، وهو ما يعني انخفاض أسعارها وارتفاع فوائدها. ويوم الاثنين ارتفعت الفائدة على السندات الحكومية 3%، لتغلق عند 13.55%. وفي منتصف يوم الثلاثاء ارتفعت الفوائد ما يقرب من ثلاث نقاط أخرى، لتغلق عند 16.41%. وتراهن السوق على أن اليونان ستعجز عن السداد. وفي الوقت الذي ينتشر فيه المرض في أوروبا، ينتظر السياسيون الألمان موافقة جماعية مطمئنة للجوء إلى الإنقاذ. كما ارتفعت الفوائد على السندات التي أصدرتها البرتغال إلى أكثر من 5.20% يوم الثلاثاء، والمشترون يتدافعون لبيع الدين الذي أصدرته الدول الأوروبية الموشكة على التداعي مثل إسبانيا وإيطاليا وأيرلندا.

ويقول ولفغانغ مونتشايو في عموده في عدد صحيفة «فينانشيال تايمز» الصادر يوم الاثنين «اليونان أشبه ما تكون بأزمة الرهن العقاري، لكن في أوروبا». وحذر رئيس أحد أبرز صناديق التحوط في رسالة إلى المستثمرين الأسبوع الماضي من أنه نتيجة لانتشار الأزمة توقع «انهيار الاتحاد المالي الأوروبي».

جزء من الملهاة الإنسانية أننا نتوقع الكارثة، لكننا لا نقوم باللازم لذلك. الصدمات المدمرة بحق ليست تلك التي تفاجئنا بل تلك التي نتوقع قدومها ولا نملك الإرادة السياسية للتعامل معها.

بإمكان الرئيس أوباما الانتصار في صراعه من أجل خفض العجز في الميزانية. وباستطاعته أيضا الإصرار على لجنة وطنية موحدة جديدة بشأن الإصلاح والمسؤولية المالية التي بدأت العمل هذا الأسبوع بدراسة الضريبة على القيمة المضافة والإجراءات المتشددة الأخرى التي تعوق الدين من الوصول إلى مستويات مقيدة بنهاية العقد. لكن التصرف الآن سيكون عملا أخرق. وسنتبين أن الرئيس كان مصيبا في قراره، لكن البعض يفضلون الانتظار حتى وقوع الكارثة.

* خدمة «واشنطن بوست»