إنصات الشركات.. يقلل التكلفة!

TT

لاحظ أحد المضيفين أن معظم ركاب الطائرة لا يتناولون حبة الزيتون الصغيرة التي يضعها الطهاة في صحن السلطة. ونقل المضيف هذه الملاحظة إلى مسؤوليه في خطوط الطيران الأميركية «American Airline»، الذين استقبلوا الفكرة بآذان صاغية وتفاعل جدي. وبعد بحث وتحرّ، قرروا بالفعل إيقاف شراء الزيتون، ولم يتذمر أحد من الركاب. وبهذا وفرت خطوط الطيران نحو 40 ألف دولار أميركي كانت تنفق سنويا من دون جدوى.

ما نستشفه من هذه القصة الحقيقية أن حسن إنصات هذه الشركة وتفاعلها الصادق مع ملاحظة «أحد الموظفين» ساعد على توفير مبالغ كبيرة كانت تدفع طوال السنوات الماضية من دون مبرر. وماذا لو مارست الشركات والمؤسسات هذا الأسلوب في التواصل مع «جميع الموظفين» منذ أمد بعيد؟ فكم ستوفر من مبالغ مهدرة؟

هناك أفكار إبداعية أو غير تقليدية في الإنصات إلى الموظفين يمكن تطبيقها في العمل، مثل فكرة عقد لقاء أسبوعي يسمى مثلا «اجتماع الإنصات الشهري» (Monthly Listening Meeting)، أو عقد اجتماع ربع سنوي، بحيث يجهز له الموظفون أفكارا إيجابية تنهض بالمؤسسة، فالأفكار الجيدة تنبع من عقول الموظفين، ولا تأتي بالضرورة من المستشارين الخارجيين الذي يتقاضون مبالغ طائلة.

كما تعد فكرة اللقاء الشهري مع الموظفين على وجبة غداء أو عشاء جماعي طريقة أخرى غير مباشرة للإنصات إلى أفكارهم، التي قد تسهم في تقليل التكلفة ورفع سقف الأرباح.

وقد أعلن رئيس تنفيذي في أحد البنوك الخليجية عن تطبيقه لسياسة جديدة، وهي استعداده للإنصات إلى «أي فكرة إبداعية جديدة» يقدمها الموظفون، شريطة أن يتحقق فيها شيئان، هما «تقليل التكلفة وزيادة الأرباح». أحد العاملين في البنك أكد لي أنه بفضل هذه السياسة صارت معظم المنتجات والخدمات المصرفية الإبداعية المطروحة مؤخرا تأتي من بنات أفكار الموظفين أنفسهم، الأمر الذي أسهم في نيل البنك جوائز عالمية كثيرة. كما يمكن للمسؤولين أن يستشفوا من ثنايا حديث الموظفين أثناء الاجتماع الدوري بهم بعض الأفكار الجديدة التي تسهم في كبح لجام التكلفة الباهظة.. فهي المعوق الرئيسي للنمو المؤسسات وتحقيقها أرباحا كبيرة. في بعض الأحيان يكون في تذمر موظف أو امتعاضه من جزئية معينة تناقش داخل الاجتماع فرص للمسؤولين لمعرفة الخلل ثم الخروج بحل عملي.

الكاتب الصحافي الأميركي توماس فريدمان قال في مقاله «صرخات في فن الاستماع الغائب»، الذي نشرته «الشرق الأوسط»، ما يفيد بأنه لو مارس الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وإدارته حسن الإنصات إلى رؤساء الدول الأوروبية وقياديين بارزين في الإدارة الأميركية، لقلت تكلفة الحرب على العراق ماديا ومعنويا.

وفي مقاله الجريء هذا، الذي حصل بسببه على جائزة أفضل «مقال عام» يتناول قضية الإنصات من جمعية الإنصات الدولية (ILA) لعام 2005، قال الكاتب فريدمان إن الرئيس بوش «يسير خلف رئيس الوزراء الإسرائيلي باستراتيجيته الفاشلة في الاستماع فقط إلى صوت الانتحاريين، وتأجيل كل المبادرات إلى ما بعد هزيمتهم» على حد قوله، وهو ما أسهم أيضا في رفع تكلفة الحرب على العراق.

ما يهمنا هنا ليس رأي الكاتب بقدر ما يهمنا نقده لرئيس أكبر دولة في العالم الذي هو معرض كغيره للخطأ عندما يتعلق الأمر في «تقدير تكلفة قراراته»، مثله مثل أي مدير عام في العالم، لذا فإن المطلوب منا ومنهم جميعا أن نراجع أنفسنا باستمرار وأن نأخذ باقتراحات العاملين معنا على محمل الجد، لنوفر على أنفسنا وشركاتنا مصاريف طائلة كان حريا بنا تفاديها باتباع سياسة «الآذان الصاغية في العمل»!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]