شقيقة عبيطة

TT

أعترف أنني لم أقرأ مذكرات الدكتور لويس عوض «أوراق العمر» إلا متأخرا. وهذا تقصير في عالم المهتمين بآداب المرحلة، سواء كان المرء من مؤيدي الأستاذ المثير للجدل، أو من خصومه. وانتهيت من المذكرات إلى موقفين متناقضين: مرة يبدو لويس عوض مثيرا للإعجاب، ومرة مثيرا للشفقة.

لم أستطع أن أفهم، كيف لم يستطع أستاذ من أساتذة الفكر أن يجد تعبيرا إنسانيا يتحدث به عن شقيقته مارغريت، سوى القول إنها «لم تكن مجنونة، بل عبيطة»، أو إن «كل مهام أختي العبيطة مارغريت هي أن تحمل لأبي فوطة مبلولة بالماء»، أو إن «أختي مارغريت ماتت عذراء في الثالثة والستين وهي تعتقد أنها في العاشرة من العمر».

صاحب هذه البرودة في المشاعر والقساوة في التعبير، يعود فيروي لنا أن والده بكى مرتين: الأولى عندما توفي سعد زغلول، أبو الأمة، والثانية عندما نفذ حكم الإعدام في شيكاغو عام 1927، في عاملين إيطاليين، ساكو وفنزيتي، اتهما «بالفوضوية». وكان الحكم قد صدر عام 1921، لكن تظاهرات مستمرة قامت في أنحاء العالم ضد تنفيذه. فقد كان واضحا أن شرطة شيكاغو، التي كانت أسوأ من عصاباتها، هي التي لفقت التهمة، لأن الرجلين تزعما المطالبة ببعض الحقوق العمالية.

تحولت قضية ساكو وفنزيتي إلى أغنية جميلة في السبعينات، رددتها جوان بايز مطلعها: «تحية إليكما ساكو ومارك، محاكمتكما عذاب لنا». لكن لا يبدو أن الدكتور عوض كان يعير اهتماما للفن والغناء، فكل شيء عنده واقع صلد. وهو يتحدث عن أنه، وشقيقه، عنينان، وكأنه يرفع تقريرا إلى رئيس الجامعة عن تأخر الطلاب في نهاية الفصل. ويستغل الدكتور عوض مذكراته لكي يرد أو يثأر من جميع الذين تعرضوا له. فهو ضد عبد الناصر الذي اعتقله بتهمة اليسار، وضد أنور السادات الذي أخذ عليه الصلح مع إسرائيل. ويبدو الناقد المصري في أوج حماسه عندما يدعو إلى الوحدة بين مصر والسودان ويندم على إجهاضها بسبب موقف عبد الناصر الشخصي من محمد نجيب، المولود بدماء سودانية. ثم يدعو مرة أخرى إلى قيام وحدة لدول حوض النيل، من بينها إثيوبيا، لولا أن حاكمها هو الإمبراطور هيلاسلاسي.

نرى الدكتور عوض وفديا معاديا للإنكليز، معجبا مثل والده بسعد زغلول، ثم نراه منفتحا على الغرب والثقافات الغربية. وإذ يسرد السنين تكثر التناقضات. وتكثر، للعجب، الأخطاء في استخدام اللغة العربية حتى تبدو عامية أحيانا، ودون مكانته الأكاديمية بكثير.