مقدمة ابن خلدون ومقدمة روبرتو

TT

وفقا لتقسيم وتصنيف عبقري الزمان ابن خلدون لأقاليم هذه الأرض، كنت خلال شهر أبريل (نيسان) في أحد أقاليم الاعتدال المناخي السبعة. أو بالأحرى الباردة التي ينقبض فيها السكان ويغالون في الخوف والتحسب للطوارئ.

وكما يفعل أهل هذا الإقليم في نيويورك تحسبت لكل طارئ وأنا ذاهب إلى الحلاق، الإيطالي الأب، اللبناني الأم. (لك أن تتخيل نتيجة هذا الخليط). كان الجميع قد حذرني: إذا أردت أن تشاهد ربيع نيويورك، دعك من الذهاب إلى الحلاق اليوم. الربيع لا ينتظر كل هذا الوقت.

عادة أتعامل مع السنيور روبرتو بالكلمات العربية التي لا يزال يحفظها من أيام والدته. لذلك شرحت له أن لا ضرورة للأدبيات اليوم. فهو يعرف، وأنا أحفظ، أن حلاقتي تستغرق من ثلاث إلى خمس دقائق. لكن الحلاقين يحرصون على عدم إهانتي فيطولون المسألة من 20 إلى 30 دقيقة. ويتضمن ذلك أن يحكي الحلاق مع زملائه، حول أي شيء، وهو يرفع المقص في دائرة الرأس. ثم يتجه إلى الطاولة ويحضر مشطا، كي لا أشعر بالغيرة من ذوي الشعر العادي. ويقحم المشط في أماكن الشعر ثم يروح يدندن بالمقص من بعيد كأنه عازف عود يبحث عن تجانس الأوتار.

وبسبب المصاهرة الكريمة بين لبنان وإيطاليا، لا بد للسنيور روبرتو أن يطرح بعض الأسئلة عن بلد الأم، وليس الوطن الأم. وما بين العظات التي يلقيها علي في أصول الأوطان، والبحث عن الماكينة الكهربائية التي تحصد الشعر الخفيف في الرقبة الغليظة، يضيع روبرتو دقائق أخرى. وبين كل فصل تظاهر وآخر يلتفت إلى ساعة الجدار، ليحسب الوقت الذي لا بد أن يصرفه بعد وهو يمثل دور الحلاق المنهمك في قصة شعر حقيقية لا افتراضية، كما هو حالي كل أسبوعين.

اليوم قلت للمتوسطي الذي والده من إيطاليا وأمة من لبنان، حيث الفصول الأربعة تعيش حياتها من أول مطرة إلى آخر زهرة، قلت له، في شيء من التوسل، يا روبرتو أعف نفسك وأعفني من المجاملات والتشريفات واللياقات. قلّم ما يبدو لك أنه حقا شعر زائد. دعك من الوقت. لا يهمنك مشاعري وكرامة الصلعة. أسرع، أريد أن أشاهد ربيع نيويورك كاملا، قبل أن يصل الصيف ورطوبته ولزوجته. رفض روبرتو أن يغير عاداته في خداع الزبائن الذين يشكون من ندرة الشعر وكثرة الإعجاب بابن خلدون. استمر في تمثيل دور الحلاق والزبون. وعندما خرجت كان الربيع قد انقضى. وعندما غادرت، كان ذلك في الصيف، أواخر أبريل. ثم فجأة عاد الشتاء عظيما من جديد.