سموم في النيل

TT

المصريون منزعجون جدا من الانقلاب المفاجئ والحاد في مواقف دول منابع النيل الأفريقية ضد مصر وكيف أصبحت حصتها التاريخية من مياه النيل مهددة بالتغيير، وفي خطر جديد.

شيء ما غير بريء وراء ما حدث، وشيء ما خبيث له علاقة بهذا التحول. «فجأة» تكاثرت مشاريع السدود والقنوات الجديدة على ضفاف النيل في دول المنبع، وكلها مشاريع ضخمة وعملاقة تستهلك الملايين من الدولارات. وهذه المشاريع تساهم في تغيير الأمر الواقع على الأرض، وبالتالي تعرقل وبشدة وصول الحصة الكاملة المقررة سلفا لمصر من مياه النيل، وهناك معلومات قوية وبأدلة موثقة عن ضلوع إسرائيل وأجهزة استخباراتها في تمويل هذه المشاريع المذكورة وتقديم العون والمشورة والضمان، وهذا التدخل «الاستراتيجي» من إسرائيل في قلب مصادر مياه المصريين ليس بالجديد.

فلسنوات طويلة كانت إسرائيل راغبة وبشدة في أن يكون لها القول والفعل في هذا المورد المائي الهام؛ فمنذ انطلاق الحركة الصهيونية العالمية على يد النمساوي تيودور هيرتزل وهناك مطالب لليهود في الوصول للنيل، فهو شخصيا تقدم للحكومة المستعمِرة البريطانية عام 1903 بطلب تهجير اليهود إلى سيناء و«الاستفادة» من مياه النيل، وقد وافق البريطانيون كمبدأ على هذه الفكرة على أن يتم تنفيذها في سرية تامة. ولكن الموضوع لم يتطور لأن هيرتزل فضل التركيز على فلسطين وتهجير اليهود إليها.

في عام 1974 طرح اليشع كالي، وهو مهندس إسرائيلي، مخططا لمشروع يقضي بنقل مياه النيل إلى إسرائيل ونشر المشروع تحت عبارة عاطفية ورومانسية (مياه السلام)، وهو يتلخص في توسيع ترعة الإسماعيلية وزيادة تدفق المياه إليها، وبعدها تنقل المياه عن طريق سحارة في قاع قناة السويس بعد اتفاق السلام لتنفيذ المشروع.

وبعدها قدم الخبير الإسرائيلي شاؤول أولوزورف النائب الأسبق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية مشروعا للرئيس أنور السادات وذلك خلال مباحثات كامب ديفيد يهدف إلى نقل مياه النيل (بشكل صريح ومباشر) إلى إسرائيل عبر شق ست قنوات تحت قناة السويس وسيكون بإمكان هذا المشروع نقل مليار متر مكعب من الماء لري صحراء النقب، ومنها كان سيخصص 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة.

ولكن ما سر هذا الشغف الهائل والإصرار العجيب «للوصول» لماء النيل؟ أساطير التوراة وتعاليم التلمود تصر على أن لليهود حق الخلاص في نهر النيل (كادعائهم أنهم بناة الأهرام وإصرارهم على ذلك على الرغم من عدم مقدرتهم على تقديم دليل واحد على ذلك، وهي مسألة اتفق فيها كل علماء التاريخ الفرعوني على أن اليهود لا علاقة لهم ببناء الأهرامات إطلاقا)، والصهيونية تبنت هذا الادعاء وجعلت أحد الخطين الأزرقين في العلم الإسرائيلي هو النيل والآخر هو الفرات، في رمزية واضحة عن الهدف الأكبر والوطن المنشود لهم بعد الشتات الطويل.

الطعنة الخلفية التي حدثت من شريك السلام الإسرائيلي لمصر هي نموذج جديد من «الندالات الإسرائيلية» تحت شعار السلام، فتنضم لأعداد الجواسيس الذين تم القبض عليهم في مصر، والمخدرات التي أوقفت من الحدود الإسرائيلية، وإلى الرصاص الذي انطلق من الحرس الإسرائيلي ضد المصريين في أكثر من واقعة.

مياه النيل بالنسبة لمصر قرار مصيري يتم التفاهم عليه مع الدول المعنية، ولكن دخول إسرائيل على الخط هو بمثابة إعلان عداء رسمي.

[email protected]