حريق في العمارة

TT

اشتهر الدكتور يوسف إدريس بثلاث ميزات، أو اختلافات: الأولى، بكتابة القصة القصيرة، الثانية بأنه أمضى سحابة طويلة من العمر ينتظر أن يرن الهاتف لكي يبلغ بأنه نال نوبل الآداب، لكن الهاتف رن في منزل نجيب محفوظ، الذي لم يطلب الجائزة ولا سعى إليها وحتى لم يذهب إلى استوكهولم لتسلمها. الأمر الثالث، هو ما أشيع عن علاقة خاصة مع السوفيات. والذين ركزوا على ذلك كانوا على قناعة بأن العمالة للأميركان أفضل من العمالة للسوفيات، على الأقل من حيث العملة الصعبة.

أعترف، مع أنه اعتراف بلا أهمية، حتى الشخصي منها، أنني لم أستطع أن أقيم رأيا موضوعيا مقبولا في الدكتور إدريس. فعندما أصغي إلى ناقديه أميل إلى تصديقهم، وعندما أصغي إلى مادحيه، أو المبالغين في امتداحه، أشعر بندم شديد على مشاعري السالفة.

وتوقعت أن أثبت على قناعة ما، بعد مراجعة مؤلفات الرجل وانحسار موجات التجاذب بين المستصغرين والمستكبرين. وبكل صدق، لم أصل إلى شيء. وأيضا ليس هذا بالأمر المهم لأحد، حتى أنا. فلا قضية سياسية أو أدبية في الأمر. وربما تشكل هذه الاستعادة لأعمال الرجل، عاجلة أو متأنية أو جانحة، ظلما شخصيا إضافيا، لكن عذري أنني مقصر في تقدير أديب كان مقتنعا بأنه يستحق نوبل الآداب.

منذ أيام كنت أقرأ في مجموعة مقالات صدرت تحت عنوان «يوسف إدريس.. شاهد عصره». وبينها مقال يطالب الدولة والناس بالرأفة بالخادمات، ويحكي قصة خادمة في شقة من المبنى الذي يقيم فيه، اعتاد أرباب عملها أن يغلقوا عليها باب المطبخ عندما يخرجون، وذات يوم هبت النار في «وابور الكاز» وطرحت الخادمة الصوت، وعبثا حاول الجيران اقتحام الأبواب أو النوافذ، وبعد صراع مع الأقفال استطاعوا إخراج الخادمة فحمة فيها بقية من حياة، ما لبثت أن لفظتها.

يروي يوسف إدريس المأساة على أنها «وقعت في بيتنا» ويقصد «عمارتنا» ويحولها إلى مسألة أقفال وأرباب عمل مع أنه يقول في سطر درامي واحد أن الفتاة المسكينة «ماتت خوفا من عويل» الذين شاهدوها خارجة إلى سيارة الإسعاف. رواية أو ملحمة، حولها يوسف إدريس إلى قصة قصيرة. جدا قصيرة.