اختبار أريزونا للشخصية السياسية

TT

أميركيون قلائل فقط من سيرضون بالعيش بالقرب من منطقة حدودية تخضع لسيطرة غير محكمة وتفصلهم عن دولة فاشلة، أو في هذه الحالة الدولة المكسيكية التي أخفقت في فرض القانون داخل مناطق معينة من أراضيها. وعليه، تردت قطاعات من الحدود إلى حالة من غياب القانون والعودة إلى الطبيعة الخالصة، ونشأت بها حالة من الفراغ في السلطة تملأه حاليا عصابات الاتجار في المخدرات والبشر وأفراد من جماعات أمن أهلية يطوفون المنطقة، علاوة على مهاجرين بائسين ينتهي بهم الحال في بعض الأحيان إلى قضاء نحبهم في الصحراء أو مستنقعات الصرف الصحي. ومن المهين أن تمتد هذه الفوضى إلى منطقة يرفرف عليها العلم الأميركي.

وتعد هذه حجة مناسبة لبذل جهود فاعلة لفرض القانون على المناطق الحدودية، وأيضا لصياغة برنامج للعمالة المؤقتة يسمح بتدفق منظم وقانوني للعمال المهاجرين بصفة مؤقتة للسماح للسلطات المعنية بالحدود بتوجيه مزيد من الاهتمام إلى الجرائم الأكثر إلحاحا عن تلك الناشئة عن رغبة شخص ما في إعالة أسرته.

ومع ذلك، لا تشكل الأوضاع الفوضوية على الحدود حجة تبرر إقدام ولايات على السيطرة على سياسة الهجرة الأميركية - وهي سلطة عمدت أريزونا للاستحواذ عليها كي تسيء استغلالها.

المعروف أن كلا من الولايات الأميركية تتمتع بسلطات واسعة، لكن يبقى من غير المسموح لها صياغة سياسات هجرة أو «خارجية» خاصة بها. ويتمثل أحد أسباب ذلك في أن قانون الهجرة لا يتعلق بمعاملة المهاجرين غير الشرعيين فحسب، وإنما كذلك بالمعاملة الملائمة للمواطنين الأميركيين. وعلى هذا الصعيد تحديدا، يبدي قانون أريزونا الجديد فشلا بالغا.

طبقا لهذا القانون، يجب على أفراد الشرطة بذل «محاولات معقولة» للتحقق من وضع الأفراد الذين يلقونهم فيما يخص الهجرة عندما يوجد «اشتباه معقول» في أنهم ربما يكونون مهاجرين غير شرعيين. ويحق لقوات الشرطة إلقاء القبض على من يفشلون في التحقق من مواطنتهم. لكن كيف يثار هذا الاشتباه المعقول؟ يحظر القانون الاعتماد على العرق أو العنصر كأساس «وحيد» للاستجواب. إذن، ما هي المؤشرات الأخرى التي يمكن الاعتماد عليها؟

من جهتها، بدت علامات الارتباك على الحاكمة جان بروير، التي وقعت على القانون، لدى طرح سؤال بديهي عليها خلال مؤتمر صحافي حول كيف يمكن تحديد المهاجرين غير الشرعيين المحتملين. وأجابت بروير «لا أدري كيف يبدو المهاجر غير الشرعي، لكني أعتقد أن هناك في أريزونا من يعتقدون أن لديهم القدرة على التعرف على المهاجر غير الشرعي من مظهره. ولست أدري إن كان اعتقادهم هذا مؤكدا أم لا». ورغم ذلك، أصدرت بروير تعليماتها بتدريب أفراد الشرطة على المؤشرات التحذيرية على أن إقامة شخص ما في الولاية غير قانونية، وهي مؤشرات عجزت هي نفسها عن وصفها. وهناك سبب واضح وراء إحجام جميع مسؤولي الولاية عن التعليق علانية وبالتفصيل على هذه المعايير، لأنها ببساطة ستبدو أشبه بنماذج عنصرية نمطية، وربما هي كذلك بالفعل.

إن هذا القانون يخلق فئة من المشتبه فيهم، بناء على عدة عوامل منها العنصر، ويعتبرهم مدانين إلى أن تثبت براءتهم. ورغم أن هذا القانون سيزيد صعوبة العيش أمام المهاجرين غير القانونين بجعلهم عرضة دوما لمراقبة وثيقة، فإنه أيضا يزيد صعوبة العيش على بعض المواطنين الأميركيين الذين ينعمون بحياتهم الآن من دون شكوك حولهم أو تعرضهم لمذلة. إن الأميركيين بوجه عام غير معتادين على أمر «أوراقك، من فضلك»، مهما التزم من يلقيه عليهم آداب اللياقة وحسن الخلق. في الواقع، الإجابة الأميركية المألوفة لمثل هذا الأمر ستكون «اذهب للجحيم»، ومن بعدها «لنلتقي في المحكمة».

الواضح أن حكومة أريزونا وقعت في فخ نصبه لها مجلسها التشريعي، ذلك أنه إذا جرى تطبيق هذا القانون بحماس، ستتعرض الولاية لدعاوى قضائية مستمرة من جانب مواطنيها الذين جرى توقيفهم عن طريق الخطأ. أما إذا لم يجر تطبيقه بحماس كاف، فإنه يحوي مادة تسمح للمواطنين بمقاضاة أي وكالة أو مسؤول «يقلص أو يقيد فرض قوانين الهجرة». إذن، في كلتا الحالتين سيبتهج المحامون.

إلا أن قانون أريزونا الجديد - مثل قوانين كثيرة من قبله - يحمل ميزة واحدة وهي أنه يميز بين الجمهوريين بناء على مدى جديتهم السياسية والأخلاقية. بحلول منتصف التسعينات، كانت كاليفورنيا قد شهدت تناميا مطردا في الهجرة غير القانونية شكلت عبئا شديدا على الخدمات العامة. واستجاب الحاكم بيت ويلسون لتأييد المقترح 187، الذي حرم الأطفال والبالغين غير الموثقين من خدمات التعليم والرعاية الصحية غير الطارئة. وفرض القانون على الأطباء والمدرسين الإبلاغ عن أي شخص يشتبهون في كونه مهاجرا غير شرعيا.

وكشف النقاش الدائر في هذا الصدد وجود فجوة في التقدير، حيث أثار ويلسون سخط المجموعات العنصرية، وعلى رأسها ذوو الأصول اللاتينية، مما دفع الحزب الجمهوري في كاليفورنيا إلى دائرة النسيان وأكسبه احتقار التاريخ له. وحارب قادة جمهوريون أمثال جاك كيمب وجورج دبليو بوش، حاكم تكساس آنذاك (لم يكن من قبيل المصادفة أنني عملت لصالح الرجلين)، التيار السياسي السائد، عارضا القيود التي جاءت على غرار المقترح 187، مما أكسبهم مكانة بارزة بمرور الوقت.

ويمكن تطبيق اختبار مشابه على قانون أريزونا. فمن جانبه، قال مايك هوكابي، حاكم أركنساس السابق «ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه ملامح أميركية». وقال ماركو روبيو، المرشح الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ في فلوريدا، إن القانون «بمقدوره استثناء الأفراد الموجودين هناك بصورة قانونية». وانتقدت ميغ وايتمان، المرشحة الجمهورية لمنصب الحاكم في كاليفورنيا، علانية قانون أريزونا. وينبغي على الجمهوريين الراغبين في اكتساب مكانة تاريخية طيبة الانضمام إليهم.

* خدمة «واشنطن بوست»