طلب الفرز ثم طعن فيه!

TT

فوجئ الجميع عندما تقدمت كتلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتراضها على صيغة إعادة فرز الأصوات في بغداد لأنها هي التي فرضت على الجميع إعادة الفرز وأصرت عليه!

إعادة الفرز الحالية ستستغرق على الأقل ثلاثة أسابيع، ولو نفذ الاعتراض الجديد فإن إعادة الفرز ستستغرق أشهرا طويلة لأنه من أجل إرضاء كتلة المالكي سيتطلب ذلك جهدا إضافيا حتى تتم مراجعة بيانات الانتخاب، مع البطاقة الانتخابية، ومطابقتها مع السجل الانتخابي وهكذا. الوقت الضائع للفرز ولاحقا لتشكيل حكومة يعطي المالكي ربما نصف عام يحكم خلاله العراق!

ورئيس الوزراء المالكي لا يعتبر نفسه رئيس حكومة تصريف أعمال بل يدير حكومة عادية، وفي الواقع هي أكثر من عادية، حيث صار بفضل الفراغ الدستوري يملك سلطة هائلة لم يحصل على مثلها في سنوات الحكم في السنوات الأربع الماضية. رئيس الوزراء يحكم البلاد اليوم بدون الرجوع إلى البرلمان لأن فترة المجلس انتهت، وبالتالي يستطيع أن يوقع ما يشاء من قرارات وعقود. أيضا، رئيس الوزراء لا يحتاج المجلس الرئاسي، كونه شبه فخري، ويدرك أن الجيش تحت إمرته فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والعلاقة مع الولايات المتحدة تتبع مكتب رئيس الوزراء وفق الاتفاقية الأمنية، وبالتالي لا يمكن تفعيلها حتى عند وجود تنازع داخلي، كما هو اليوم، إلا برغبته. أي عمليا هو الرئيس، وهو رئيس الوزراء، وهو البرلمان، وهو القائد الأعلى للقوات كلها، وهو صاحب العلاقة مع الحكومة الأميركية. فصار من صالح المالكي وحكومته تمديد ما استطاع تمديده لأطول فترة، لأنها فترة ذهبية يملك فيها كل السلطات؛ بها ينفق ويعين ويغير كما يشاء!

إلى ماذا يمكن أن يجر هذا الوضع المريح للحكومة في لعبة إطالة الوقت؟ الأكيد أنه سيواجه بحالة تململ وسيؤدي إلى فوضى سياسية، لأن الأطراف المتنافسة ستعتبر كل يوم يمر هو على حسابها. ما الحل، خاصة أن رئيس الوزراء لم يخرق الدستور، لأن الدستور لم يتخيل مثل هذه الحالة، فلم يتطرق إليها؟ هل يمكن الاستعانة بالبرلمان القديم للانعقاد استثنائيا لإقرار صيغة حل أو تشكيل حكومة مؤقتة؟ أو أن تجلس جميع الكتل التي شاركت في الانتخابات وتقرر بالأغلبية المخرج من الأزمة، إما اعتماد النتائج أو إعادة الفرز. ويتبقى الحل الأخير وهو الاستمرار في الجدل بين الكتل، لكن مع تكليف حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة حتى لا يكون التمديد في صالح طرف ضد البقية.

إعادة الفرز التي تجري حاليا في بغداد هي مكافأة لكتلة رئيس الوزراء، الوحيدة التي لُبي مطلبها، وماذا عن مطالب بقية الكتل التي تريد إعادة الفرز في مناطق أخرى تعتقد أنها فقدت فيها أصواتا مهمة؟ لماذا يقبل طلب طرف وترفض المطالب الأخرى؟ بسبب هذه الأسئلة المرهقة والمخربة للعملية السياسية كان الأفضل القبول بالنتائج لأنها أُقرت من قبل كل الفرق المشاركة في الرقابة بمن فيهم المراقبون الدوليون وقالوا إنها مقبولة، أو الاتفاق على إعادة فرزها.

[email protected]