ثالوث الجواهري

TT

أعود اليوم لموضوع تعلق بعض المسلمين بالكتابيات. للهيام بجمال المسيحيات تاريخ طويل في الأدب العربي. وربما يعود لغلبة الصفات الآرية عليهن، الشعر الأشقر أو الكستنائي، والعيون الرصاصية أو النرجسية، والبشرة البيضاء، وطول القامة. وكل هذا من مخلفات الروم والصليبيين والاحتلال الأوروبي. ومن المعتاد للبدو أن يطلقوا على المرأة التي تحمل هذه الصفات أنها «صليبية».

برز محمد مهدي الجواهري بصورة خاصة من بين الشعراء المعاصرين في تولهه بالحسان المسيحيات. كتب عدة قصائد يتغنى فيها بجمال التشيكيات (بائعة السمك) والفرنسيات (أنيتا)، بالإضافة إلى المسيحيات العربيات. وقد أتحفني رواء الجواهري، مدير مركز الجواهري في براغ، بعينة طريفة من ذلك. وهذه مساهمة مهمة لتصحيح الانطباع بأن الجواهري كان شاعرا سياسيا وكفى ونتجاهل مكانته كشاعر وجداني..

تتجلى الرموز المسيحية في كثير من أوصافه للحسان والغواني، من ذلك قوله:

هدي المسيح على العيون طفا وطافا

ودم الصليب على الخدود يرتشف ارتشافا

ولهذا الميل الجواهري جذور عميقة وطويلة. فما إن زار لبنان عام 1934 وهو في مطلع شبابه حتى وقع في حب حسناء من أهل زحلة أوحت له بقصيدة طويلة:

ثقي «زحيلة» أن الحسن أجمعه

في الكون، عن حسنك المطبوع تقليد

أنت الحياة وعمر في سواك مضى

فإنمـــا هو تبذيـــر وتبديــد

وكان الشاعر قد وضع، كما يقول الزميل رواء، قويسات على زحيلة ليلعب على ما قصده فيها من تورية ظريفة. ويمضي أبو فرات فيقول:

هذي «المسيحية» الحسناء تم على

شرع المسيح لها بالمـــاء تعميــد

كأنها وعيون الماء تغمرها

مستنزف الدم من عرقيـــه مفصــود

أسلوب حسنك ممتاز فلا عنت

في الـروح منه، ولا في السبـك تعقيـد