لماذا الشرق الأوسط؟

TT

الفكرة الأساسية من معاهدة منع الانتشار النووي العالمية التي دخلت حيز التطبيق منذ عام 1970 هي المقايضة بين الدول النووية الخمس الرسمية، أي المعترف بها، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبقية دول العالم. فالأخيرة تلتزم بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية مع ضمان حقها في الحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية، مقابل أن تلتزم الدول الخمس بخفض أسلحتها النووية وصولا إلى التخلص منها نهائيا. وقد يكون في ذلك نوع من عدم العدالة في النظام الدولي لأن ما هو متاح لغيرك ليس متاحا لك، لكن بحكم خطورة الأسلحة النووية على البشرية ووجودها، وما يمكن أن تلحقه من دمار للحياة الإنسانية فقد قبلت بها دول العالم لتضم المعاهدة 189 دولة اليوم، وذلك على أمل أن يأتي يوم يكون فيه العالم خاليا من هذه الأسلحة المدمرة. وقد ظلت هذه المعادلة قائمة لعقود بحكم الأمر الواقع، فالكثير من الدول لم تكن تملك التكنولوجيا أو الموارد لتحدي هذا النظام بينما لم تتحرك الدول الخمس كثيرا نحو خفض أسلحتها النووية، وكان الإنجاز الأكبر هو الاتفاق على وقف التجارب النووية. وتغير ذلك في العقدين الأخيرين فهناك قوتان نوويتان جديدتان معلنتان خارج المعاهدة، هما الهند وباكستان، قامتا بتجارب تفجير نووي، وهناك إسرائيل، وهي خارج المعاهدة أيضا، وهي تلتزم سياسة الغموض تجاه قوتها النووية بينما تشير التقديرات إلى أنها تملك ما بين 100 و200 رأس نووي، وهناك كوريا الشمالية التي خرجت من المعاهدة، وقالت إنها أجرت تجارب نووية، ويعتقد أن لديها عدة رؤوس نووية، وأخيرا، وهي القضية الساخنة حاليا، إيران، التي يعتقد أنها تريد الوصول إلى مرحلة القدرة على إنتاج أسلحة نووية بما يلزمها من صورايخ لتوصيلها، مع غموض نواياها وما إذا كانت ستنتجها أم لا.

ومثلما كانت منطقة الشرق الأوسط حاضرة في المراجعة الأخيرة التي أجريت لمعاهدة منع الانتشار النووي، فإنها حاضرة وبقوة في المؤتمر الذي بدأ أمس في نيويورك، ويستمر شهرا من المفاوضات الصعبة.

فرغم أن المؤتمر في أهدافه يتعلق بالمعاهدة نفسها وتقويتها، فقد كان واضحا منذ فترة أن ملف إيران النووي سيكون حاضرا وبقوة في هذا المؤتمر، واختار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن يكون الرئيس الوحيد الذي يحضره، ولديه أسبابه في ذلك. ففي نفس المبنى، أي الأمم المتحدة، تجري المباحثات حول مشروع عقوبات جديدة على إيران بسبب عدم تعاونها فيما يتعلق ببرامجها لتخصيب اليورانيوم، وهي مناقشات يبدو فيها أن الولايات المتحدة نجحت في جهود الحشد اللازم لإقناع بقية القوى الكبرى المتحفظة على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي بحق إيران. ويتقاطع كل ذلك مع المشروع الذي تتبناه مصر التي ترأس حاليا حركة عدم الانحياز لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وهو مشروع يستهدف إسرائيل في الأساس، فإيران تستطيع أن تتحجج بأنها دولة منضمة إلى المعاهدة النووية رغم الشكوك في أنها تخالفها بينما إسرائيل ليست عضوا على الإطلاق ولا أحد يتحدث معها في ذلك.

ولا بد أن يطرح السؤال وهو لماذا هذا التركيز على منطقة الشرق الأوسط، بينما أصبح هناك قبول شبه دولي لسباق التسلح النووي في جنوب آسيا بين الجارين النوويين الهند وباكستان، وقد تكون الإجابة تكمن في حجم النزاعات والتوتر في المنطقة، فلم يمر عقد فيها دون حرب أو حربين، ذلك بخلاف ما يبرز فيها من اتجاهات فيها تطرف أو لاعقلانية بما يحمله ذلك من زيادة مخاطر استخدام مثل هذا النوع من الأسلحة، فضلا عن سباق تسلح نووي شبه مؤكد لو أعلنت دولة في المنطقة نفسها قوة نووية. وعمليا ومنطقيا فإن الحل الأمثل لمنع هذا السيناريو المرعب هو في وجود وفاق ونظام أمن إقليمي يلتزم به الجميع، فالتكنولوجيا معروفة، مثل الهواء يمكن أن تنساب بسهولة مهما وضعت الضمانات مثلما نرى الآن في الحالة الإيرانية، التي تتعلق أساسا برغبة في الحصول على مكانة إقليمية معينة على حساب الآخرين، وهذا الأمن الإقليمي يحتاج إلى حل النزاعات الأساسية وسيادة رؤية رشيدة لمستقبل المنطقة.