الكلاب تضحك بأذيالها

TT

كنا لفيفا من الرجال غير «الأشاوس» واقفين في ردهة أحد الفنادق، فمر من أمامنا طفل لتوه يتعلم المشي وأمه تتبعه تمد يديها في الهواء حوله مخافةً عليه من السقوط، فقلت للرجل الذي بجانبي: «انظر إلى هذا (المفعوص)، إن مشيته تذكّرني بمشية طائر (البطريق)».

وما إن قلت تعليقي البسيط هذا، وسمعه الرجل الطويل العريض الذي يقف أمامي مباشرة حتى انفجر بضحكة مدوية، قفزت الأم وسقط الطفل جراءها رعبا، حتى أنا أصابتني هذه «الفرقعة» بشيء من الارتجاف والعجب، فليس في تعليقي على الطفل ما يبعث على الضحك إلى هذه الدرجة، فهو تعليق عادي يتكرر ويقوله أي إنسان، المشكلة أن ذلك الإنسان «عايم الفشّة» استمر يقهقه فاتحا فمه الواسع أمام وجهي الذي لا يبتعد عنه إلا سنتيمترات قليلة، والمصيبة أنني كنت محشورا ولم أستطع التراجع لأن الحائط كان ملتصقا بظهري، وكلما حاولت أن أهدّئه ليتوقف كان يزداد بصخبه ويزداد فمه بالتالي اتساعا، ولم أملك إلا أن أتأمل مرغما فمه من الداخل كأنني طبيب أسنان، واكتشفت أن له ضرسا محشوّا بالذهب، وثلاثة أضراس أخرى قد نخرها السوس، وأحد أنيابه مكسور، وله لسان أحرش عريض كلسان الثور ينتهي بزلاعيم ولُوَز داكنة اللون ومتورمة.

وتمنيت ساعتها لو كان بيدي كرة بلياردو، فيمينًا بالله لكنت أدخلتها في فمه وارتحت، ولكانت قد سقطت في فمه بكل سلاسة لأن فمه - دون مبالغة - أوسع من كل فتحات طاولة البلياردو.

وأصابت عدوى الضحك الآخرين من مشاهدتهم لهذا المعتوه الضخم، الذي كلما هدأ قليلا وحمدت ربي على ذلك تَذكّر وصفي لمشية ذلك الطفل، فيرفع قدمه ويخبطها على الأرض مرددا: «البطريق، البطريق، مشيته تشبه مشية البطريق، هاها، هاها، هاها»، والغريب أنني كنت الوحيد الذي كان صامتا مع أنني صاحب الوصف.

وعندما يئست من توقف ذلك «الفحل» حزمت أمري على الله وأخذت أتأمل في ضحكات الحاضرين، فمنهم من تهتز كرشه إذا ضحك، ومنهم من تهتز أكتافه، ومنهم من يميل رأسه على جنب، ومنهم من يفحّ كالأفعى، ومنهم من ينعق كالغراب.

أما ألطفهم والذي لفت نظري جدا، فهو رجل كان يضحك وتهتزّ مؤخرته متجاوبة مع ضحكاته، وهو لا يبتعد عن راقصة الأفراح التي يزداد حماسها عندما تمتدحها الحاضرات قائلات لها ومشجعات: «ورا، ورا، ورا، ادعس».

وفعلا كدت أنسى نفسي وأقول له: «ورا».

ومع اعتذاري واحترامي الشديد له، فهو قد ذكّرني بالكلاب عندما تضحك.

ومن اكتشافاتي المشعلية التي للأسف لم يقدّرها ويشكرني عليها أحد، أنني اكتشفت أن الكلاب تضحك بأذيالها، أرجوكم لا تسخروا من كلامي، وصدّقوني أنكم إذا رأيتم كلبا يهز ذيله بحماس ومرح، فثقوا تماما أنه مغشيّ على حاله من شدة الضحك.

تَخيّلوا لو أن للناس أذيالا، فكم في هذه اللحظة من القراء جالسا أو واقفا أو منبطحا وهو يهز ذيله؟!