وجها الرئيس

TT

الجوانب الخيرة في جيمي كارتر أكثر من أن تحصى. لقد كرس نفسه منذ هزيمته في الوصول إلى دورة ثانية في البيت الأبيض، لمحاربة التعنت الأميركي وسياسات الهيمنة والحصار. وعندما كان رئيسا دوّن في التاريخ الأميركي سابقتين: الأولى، التحدث عن «وطن قومي» للفلسطينيين، مقابل «الوطن القومي» لليهود. والثانية، أنه تم في عهده الإعلان عن إنتاج قنبلة «البروتون»، القادرة على إبادة البشر من دون تدمير المادة، فكان أن طالب بوقفها على أساس أنها عمل غير إنساني.

بعد خروجه من الرئاسة كثرت أعمال كارتر ومؤسسته الخيرية. ومنها إلغاء وباء «الأفعى النارية» أو الحارقة، وهي، مع الاعتذار، دودة تنمو تحت الجلد وتحفر فيه حتى تخرج بعدما تبلي مصابها بألم أليم. وينتشر الوباء في البلدان الفقيرة، ومنها السودان. وبعد عامين سوف تعيش الإنسانية محمية منه بعدما تم قبل أعوام إزالة مرض الجدري إلى غير عودة.

إضافة إلى كل هذا، يصدر كارتر كل فترة كتابا جديدا يدعو فيه إلى أن تتصالح أميركا مع خصومها التقليديين، بمن فيهم كوريا الشمالية وصاحبها كيم جونغ أيل. كما يكرر الدعوة إلى العدل في الحقوق الفلسطينية. والمؤسف أن هذه الكتب ضعيفة التركيب وضعيفة التأليف، وأشبه ببيان سياسي وضع بين دفتين. لكن يبقى أن المهم هو الدعوة نفسها ومواقف الرجل ونواياه.

نرى كارتر أيضا في كل «انتخابات»، عامة أو رئاسية، من النوع الصوري الذي يجدد فيه الحاكم لنفسه عقدا بعد عقد. ويقدم كارتر و«مراقبوه» أنفسهم كشهود على نزاهة «الانتخابات» التي تنتهي دائما بحصول حامل الأختام على أكثرية مضحكة، مهما تم تلطيف أرقامها ونتائجها، بحيث تبدو معقولة. فهي غير معقولة في الأساس ومن حيث المبدأ. وبذلك لا يبدو جيمي كارتر أكثر من شاهد زور، أو أقل من طابع بريد مزيف تحت توقيع محترم. ولم يغير حضور كارتر أو غيابه في أي نتيجة حتى الآن. ولم يخفف من دكتاتورية أحد. ولم يؤد إلى إغلاق سجن سياسي واحد، أو حتى جناح في سجن.

وجهان للمستر كارتر: واحد مشع بالسعي الإنساني، وآخر هزلي مضحك. وتبدو الصور التي تلتقط للرجل الجليل الذي بلغ الخامسة والثمانين وهو في الأدغال الانتخابية، غير لائقة بتاريخه وطباعه الخيرة. وإذ يبعث الفرح في نفوس الدكتاتوريين الأزليين لا يدرك كم يبعث من الخيبة في نفوس الحالمين بالتغيير وشيء من الضوء.